عندما يقول رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة إنه يجب الوقوف «بحزم ضد العابثين بأمن البحرين واستقرارها»، فهذا يعني أن الأمر قد وصل إلى الحد الذي لم يعد ممكناً معه مراعاة الخواطر التي هي سمة مجتمعاتنا الخليجية المسالمة بطبيعتها، ولا قبول التبريرات التي يمكن أن تساق في مثل هذه الأحوال والتي تعبر عن طيبة أهل البحرين، فالأمن هو الأساس والعبث به يعني العبث بالاستقرار الذي نتيجته الطبيعية نشر الفوضى وتأثر حياة ومستقبل الجميع سلباً من دون استثناء. لكن عندما يشترط سموه ربط الحزم بالعدل فهذا يعني أنه يدعو إلى تحقيق معادلة صعبة تتطلب ترسيخ مبدأ هام مفاده أنه ونحن نتعامل بحزم ضد العابثين بالأمن علينا أيضاً ألا نتجاوز العدل الذي هو أساس لا يمكن القبول بتجاوزه، فلا تأخذنا في العابثين رأفة ولا شفقة، ولكن في نفس الوقت ينبغي علينا تحقيق العدالة، فلا نأخذ أحداً بجريرة غيره ولا نحرم المتورط نفسه من حقوقه التي يكفلها الدستور والقانون، فالبحرين دولة مؤسسات ودولة قانون وقضاء مستقل.
لا يمكن لسمو الأمير خليفة بن سلمان أن يقبل بالفوضى والتخريب والعبث بالأمن وتعريض حياة الناس للخطر، لكنه أيضاً لا يقبل أن يتم منع ذلك على حساب العدل والإنصاف وحقوق الإنسان. إيجاد حد لتلك التجاوزات والممارسات الدخيلة على مجتمعنا المسالم أمر سهل يسير، حيث يمكن بقرار حاسم واحد تحقيق ذلك، ففي البحرين العديد من الأجهزة التي يمكن أن تتم توجيهها للقيام بذلك فنجحت وتفوقت وحققت المطلوب من دون تأخير، لكن ليس هذا ما يريده رئيس الحكومة، وإلا كانت الأمور قد حسمت مبكراً، ما يريده سموه هو أن يتم التعامل مع التجاوزات بحزم ولكن ليس على حساب العدل وليس باختراق المبادئ التي يقوم عليها هذا الوطن.
القيام بالأمرين معاً هو ما يرمي إليه سمو الأمير خليفة بن سلمان، فسموه يريد أن يتم إنزال أشد العقاب بالمتورطين في تلك التجاوزات والعمليات الإرهابية وليس غيرهم، وفي نفس الوقت يريد أن يتحقق العدل فيحصلون على حقوقهم كاملة، كما هو محدد في الدستور وينظمه القانون، فالسرعة المطلوبة للقبض على المتورطين وإحالتهم للنيابة العامة ومحاكمتهم لا تعني تجاوز العدل والحقوق أو أخذ الناس من دون جريرة.
ولأن مطلب إنزال العقوبة بالعابثين بالأمن والمسيئين للوطن هو اليوم مطلب كل المواطنين بسبب ما نالوه من تلك الأفعال التي راح ويروح ضحيتها الأبرياء، لذلك فإن إصرار صاحب السمو على هذا الأمر يزداد ويكبر، فأمن المواطنين والمقيمين والزائرين مسؤولية سموه بالدرجة الأولى، وهو اليوم شغله الشاغل، حيث ازدادت شريحة المتربصين بالوطن وتزداد أعمالهم التخريبية وتنكشف مخططاتهم وأهدافهم.
لم يعد بالإمكان السكوت عن ممارسات تفضي إلى الموت أو الإصابة بجروح أو تعطيل الحياة، ولم يعد بالإمكان إلا البدء في الاستنفار ضد هذه السلوكيات الغريبة على البحرين وشعبها، وليس قول صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان «إننا في حرب مع الإرهابيين ومن يدعمهم» إلا تأكيداً على أن الأمر وصل مرحلة يصعب احتمالها، وصار لا بد من وضع حد نهائي لهذا العبث، وهذا لا يكون إلا بالعقاب الرادع والتعامل مع العابثين بالأمن بطريقة تكسر شوكتهم وتؤدي إلى إغلاق هذا الملف نهائياً، لكن من دون تجاوز العدالة.
لن تلام البحرين وحكومتها لو قست قليلاً وهي تواجه كل هذه المخططات والأعمال الإرهابية، بل لن تلام حتى لو بالغت في هذا الأمر لأنه من حقها ولأن الأمن أساس لا يمكن التفريط فيه، لكنها بالتأكيد لن تسلك هذا الطريق لو وجدت أنه يؤثر سلباً على العدل.