كلنا يدرك أن الوطن العربي يعتبر كتلة جغرافية وتاريخية واحدة، شئنا ذلك أم أبينا، فكل العناصر المشتركة بين الدول العربية، سواء كانت لغة أو تصاهراً أو ديناً، تعطينا كل الإيمان بأن الوطن العربي يتحدث ويعيش بذات النفس، ومن هنا كانت الأزمات والتحديات والضغوطات والهموم كلها مشتركات واضحة يتقاسمها الإنسان العربي كلقمة عيشه.
هذا هو الواقع ولا نعبأ كثيراً بالأمنيات، لأن المشهد الختامي لتدهور الأوضاع الأخيرة في الدول العربية -خصوصاً بعد الربيع العربي- يؤكد غياب التعاون المشترك بين دولنا، كما يؤكد غياب الإستراتيجيات المعنية بتعزيز مواطن القوة في المشتركات، كما انكشف الكثير من هزالة القضايا التي تجمع العرب، وذلك مع أول اختبار حقيقي تفرزه الأحداث تارة وأخرى المؤامرات، حتى تبين لنا أن هنالك عوامل مشتركة ليست من صنع أيدينا كاللغة والدين، نؤمن بها ونقرها، وفي المقابل لا توجد أي أهداف إستراتيجية واضحة بين الدول العربية، وهذا ما تجلى في منطقة الربيع العربي، والفوضى التي حصلت بعد الثورات العربية، حيث تبين هشاشة الوضع العام في الوطن الأم وعدم اغتنامنا فرص الحياة العربية المشتركة.
إن سقوط الدول العربية في اختبار الربيع العربي وحتى في اختبار المؤامرات التي نؤمن بها في بعض الوقت فقط، كشف مدى هشاشة السياسات العامة داخل الدول العربية، وأنه لا توجد مشتركات غير اللغة والجغرافية والدين، بل إن الصراعات والنزاعات العربية العربية أكبر بكثير من كل المشتركات على أرض الواقع، ولهذا سقطت كل مشاريع الوحدة العربية مع أول اختبار الربيع العربي، كما سقطت من قبل في منتصف القرن الفائت، لمن أراد أن يقرأ التاريخ بعين الحقيقة.
ما نؤمن به اليوم هو أن هنالك فراغاً سياسياً يتبعه فراغ اقتصادي واجتماعي بين الدول العربية، لم تستطع دولنا في أن تتجاوزه عبر خطط مستدامة أو عبر إستراتيجيات تعني بالتنمية البشرية والحضرية، كما غابت سياسة الاهتمام بالمواطن العربي، باعتباره العنصر الأول في البناء والتنمية الحضارية.
ملايين العاطلين عن العمل، وضعف الجيوش، وتضخم النزاعات العربية، ورفضنا الدخول إلى عالم الحداثة وما بعدها، كلها أسباب حقيقية أبعدت الدول العربية عن مركز القوة في عالم لا يعترف بالضعيف أصلاً، كما كانت لسياسات الدول العربية المهلهلة نتائج كارثية على وضع الإنسان العربي، أبعدته كثيراً جداً عن مركز البناء والتنمية المستدامة.
يجب على الدول العربية اليوم وفي ظل التحديات السياسية الصارخة وفي ظل المخاوف الاقتصادية المبررة، أن تفكر في الاندماج فيما بينها أكثر من أي وقت مضى، فمشاريع التقسيم قادمة ومتحققة ما لم نتدارك الأمر برسم إستراتيجيات قوية تحفظ لنا ما تبقى من قوة وأمن وهيبة قبل فوات الأوان، فالوقت ليس في صالح العرب.