تطرقت في المقال السابق حول أحد المبادئ التي أرساها القانون الدولي وهو مبدأ عدم جواز التدخل في شؤون الدول، ومقال اليوم أيضاً نتناول فيه الحديث عن مبدأً أقرته المواثيق الدولية ورسخت دعائمه الدول الديمقراطية في قوانينها الوطنية وهو مبدأ سيادة القانون.
ولكن مع تطور مفاهيم حقوق الإنسان وتفاوتها من دولة إلى أخرى؛ أجد نفسي ملزماً للحديث من زاويةٍ توضح خيوط العلاقة بين مبدأ سيادة القانون وممارسة الحقوق والحريات.
بداية فإن مبدأ سيادة القانون يعني في مجمله خضوع الكافة حكاماً ومحكومين وسلطات لحكم القانون.
وقد تبنت مملكة البحرين هذا المبدأ واتخذته مسلكاً في نهجها السياسي وكرسته في قانونها الوطني، فميثاق العمل الوطني الذي توافق الشعب وصوت عليه بكلمة نعم وبنسبة تجاوزت 98% قد تطرق إلى مبدأ سيادة القانون، فأشار البند السادس من الفصل الثاني على أن «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات».
كما تأكد ذلك في صلب الدستور وتحديداً في المادة (33) الفقرة (ب) بأن «يحمي الملك شرعية الحكم وسيادة الدستور والقانون».
أما على الصعيد الدولي، فقد تطرقت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 وصادقت عليه مملكة البحرين إلى ضرورة أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان.
كما أكد الإعلان أيضاً وبشكل صريح في البند الثاني من المادة (29) على «خضوع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي».
وقد أقر التشريع البحريني العديد من الحقوق والحريات بل وأفرد لها باباً مستقلاً في دستوره، وفي الوقت ذاته أقرنها بجملة من الضوابط المنظمة لممارستها، وبدونها تتحول الدولة إلى فوضى وخراب.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة شريطة عدم إثارة الفرقة أو الطائفية، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات مكفولة أيضاً شريطة عدم المساس بأسس الدين والنظام العام، كما أباح الدستور الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات شرط أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة.
وبناء على ما تقدم؛ يتضح بجلاء أن العلاقة بين حقوق الإنسان وسيادة القانون علاقة توافقية تكاملية، وتعزو الغاية منه في المقام الأول إلى صيانة الحقوق والحريات الأساسية.
إذن ليس لأحد الاستئثار في ممارسة الحقوق والحريات على حساب الغير، فمبدأ سيادة القانون يلزم الجميع الخضوع له لا التسلق والركوب عليه.
ومن حق الدولة إنفاذ القانون على كل من تسول له نفسه العبث بمكتسبات الوطن وتعطيل مصالح الناس تحت عباءة حقوق الإنسان، وخلاف ذلك يعني السماح بتكرار التجاوزات والاستمرار في ارتكاب المخالفات.
ومن هذا المنطلق أتمنى من جميع الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة تنوير الشارع بحقوقه الدستورية وفق القوانين المنظمة له وعدم تركها ليتصدى من ليس أهلاً لها.
ختاماً نؤكد بأن سيادة القانون هي الضمانة الحقيقية للحقوق والحريات والسبيل الأمثل لتحقيق الغايات التي ارتآها جلالة الملك المفدى -حفظه الله ورعاه- في مشروعه الإصلاحي الديمقراطي.