انعدمت الإنسانية ومات الضمير؛ بهذه الكلمات أختصر التعليق على الصورة التي هزت العالم بأسره وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت هذه الصورة لطفل بريء لم يتجاوز العامين ملقاة على السواحل التركية بعد أن فارق الحياة غرقاً هو وأسرته التي حاولت الهرب من ويلات وسعير الحرب الدائرة في سوريا، والتي كانت لتعنت رئيسها بشار الأسد وتجرده من كل معاني الرحمة بتمسكه بالسلطة غير مبالٍ بشعبه والآلاف الذين قتلوا بسبب كبريائه حتى أنه أضحى طاغية زمانه، هذا الطفل الغريق وغيره الكثير هم في رقبة بشار وأعوانه، وكذلك لسكوت الوطن العربي على المجازر التي تحدث كل يوم على أرض الشام.
بلا شك إن أي أبوين يريدان لأبنائهما حياة كريمة وآمنة يعيشون بين أحضانهما ويرانهم يكبرون أمام أعينهما، وهذا الطفل الذي جعل العالم ينتفض لموته لم يعش طفولته كأقرانه، فمنذ أن خرج على هذه الدنيا وهو بين أصوات قذائف المدافع وأزيز الطائرات وبراميلها التي تحمل متفجرات، والتي يرميها طيارو بشار على رؤوس هؤلاء الأبرياء بلا ذنب اقترفوه، فقد كان هذا الطفل هو الضحية الأكثر شفقة بين العالم أجمع بعد أن فارق هذه الحياة وهو بين تلك الأمواج العاتية التي لم ترحم جسده وعمره الصغير الذي استقر جثة هامدة على الشاطئ، وكانت صورته أبلغ من ألف مقال يكتب عل وعسى أن تتحرك قلوب الساسة الذين يقودون هذا العالم، وعلى رأسهم العرب، بأن يحركوا ساكناً بدل الصمت المطبق على مجازر بشار وزمرته.
فالشعوب المغلوب على أمرها هي التي تدفع ثمن فاتورة الخلافات السياسية والجشع في الاحتفاظ بكرسي السلطة، والتي تصل في الأخير إلى حروب تطول لسنوات في هذه الدول ومنها سوريا التي أصبحت مدنها وقراها خاوية على عروشها لا تشم فيها إلا رائحة الموت وعفن الجثث الملقاة في الشوارع في منظر تقشعر منه الأبدان، وكأن البشر أصبحت قلوبهم كالحجارة، بل أشد قسوة، والعالم بأسره يتفرج على فظائع الجرائم في سوريا والتعامل اللا إنساني مع اللاجئين السوريين الذي باتوا يهربون من جحيم هذه الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس إلى الدول الأوروبية ويعبروا البحر لتغرق الإنسانية مع ذاك الطفل الصغير الذي بغرقه ماتت العروبة والنخوة التي كنا نتغنى بها كعرب.
هذه الصورة للطفل البريء الغريق أبكت العالم الذي انشغل في تداول صورته عبر هاشتاغ في «تويتر» و«إنستغرام» والتعليقات الساخطة التي أجمعت على استنكار هذا الفعل المشين، فبأي ذنب قتلت هذه النفس، هذا ما جنيناه من الحروب وهذا ما تفعله بأطفال العرب، ففي سوريا وحدها، ووفقاً لإحدى الإحصائيات لمنظمة الأمم المتحدة، فإن 7.3 مليون طفل تأثروا منهم 1.7 مليون طفل لاجئ، هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا وقوداً لهذه الحرب هم وعوائلهم الخاسر الأكبر، فكم من بيوت هدمت على رؤوس قاطنيها وسويت بالأرض من القصف المدفعي والبراميل المتفجرة التي ترمى فوقهم كل يوم والكل صامت في هذا العالم يتفرج على حجم المآسي والبشاعة التي يرتكبها نظام الأسد، فهل ستحرك هذه الصورة قلوب الجميع ليتدخلوا ويخلصوا الشعب السوري من هذا النظام؟
همسة..
كتب الشاعر علي النهام هذه الأبيات عن غرق الطفل السوري لتجسد الواقع المعاش..
نــــم ودع حلــــــــم البقـــــــاء
نم فهذي الأرض عنوان الشقاء
نم صغيري إن هذا البحر يبكي
ونحيب الرمل يجتاح السماء
نم صغيري إن هذا النوم عنوان الخلاص
لم تعــد تخشــــى الرصــــاص
نم فعند الله تحظى بالقصاص
وأنـا الـمسكـيـن أحـظـى بالبـكـاء
نم صغيري لا تقم حتى القيامة
لا ترافق كل من باعوا الكرامة
لا تصافح من يتاجر بالعمامة
لا تعد فالأرض سجن الأولياء