بما أن سنة الكون تقتضي علينا الرحيل من هذه الحياة، وبما أن لا أحد مخلد في هذه الدنيا الفانية.. رحل أخي الغالي عبدالقادر العلص إلى الرفيق الأعلى متوجاً بلقب الشهادة.
لم يكن من السهل علي تقبل الخبر حينما سمعته وأنا في بيت أمي الملاصق لبيت الشهيد رحمه الله.
نطق أخي باسم الشهيد وقال (مات عبدالقادر.. إنه ضمن شهداء الواجب الخمسة)!! فعم الهدوء المكان وبدأت والدتي بالبكاء.. طلبت منها بحزم أن تتوقف عن البكاء فلربما الموضوع لا يتعدى كونه تشابه أسماء أو معلومات غير مؤكدة، ولكنه قلب الأم لا يخطئ أبداً، قالت لي أمي (إنه هو.. هو يحارب من أجلنا في اليمن.. لقد جاءني قبل سفره يستودعني الله.. كان يعلم بأنه سيرحل).
لم تكن أمي والدته الحقيقية ولكنها لعبت هذا الدور بجدارة، حيث إن الشهيد عبدالقادر عاش يتيماً، فوالدته رحمها الله توفيت مخلفة وراءها 4 أطفال ذكور كان أصغرهم الشهيد عبدالقادر رحمه الله، وكان عمره آنذاك لم يتجاوز 5 سنوات، وحتى قبل وفاة والدته رحمها الله كنا نعيش متقاربين بحكم الجوار والصداقة القوية التي تربط والدتي بأمهم رحمها الله؛ وتعمقت علاقتنا بعد أن رحلت والدتهم وأخذت منحى جديداً.
فلم أشعر قط بأنهم ليسوا إخواني الحقيقيين؛ فلقد عشنا وترعرعنا في ذات البيت وأكلنا من نفس الصحن.. وتقاسمنا نفس الهموم.. ولعبنا نفس الألعاب.. وتشاجرنا لذات الأسباب.. ونمنا على نفس السرير.. وتغطينا بنفس اللحاف.. وتبادلنا نفس الأحلام والتطلعات.
تربطني بالشهيد علاقة تتجاوز الأخوة بمراحل؛ فهو الصديق الصدوق الذي كان يستعين بي ليكشف لي أسراره وأخطاءه، هو صديقي الذي كان يتقاسم معي رقائق البطاطس (الجبس) والكاكاو الذي كنا نشتريه من برادة عبدالرحمن.
كان صديقي الذي كنت أنتظره عند باب المسجد لحين انتهائه من الصلاة لنواصل اللعب واللهو، وكان الرفيق الذي يوصلني هو وباقي إخواني إلى المدرسة أو إلى أي نشاط في فترة المساء..
حتى عندما كبر وأراد الزواج قال لأمي يجب أن تتقدمي صفوف الأهل في الخطبة، فأنت أمي.
كان آخر مرة أشاهد فيها الشهيد يوم عيد الفطر، رأيته بصحبة زوجته الرائعة التي لم تتجاوز 25 ربيعاً وابنهما الذي كان نسخة طبق الأصل منه، والذي يبلغ من العمر 6 أشهر فقط.
أذكر أنه قال لي (فلنجعل أبناءنا مثلنا متقاربين ليلعبوا ويكبروا مع بعضهم البعض)، لم أكن أدرك حينها بأنه يبلغني وصيته وأنني لن أراه مجدداً!
كان دائماً ما يعلق على حسابي في الانستغرام بأنه يفخر بي وبمنجزاتي، ولم يدر بأنني أرفع الآن رأسي شرفاً لأن أخي الغالي عبدالقادر أصبح شهيداً للوطن.
فعلى قدر حرقة وألم الفراق إلا أننا فخورون جداً بأنك أصبحت شهيدنا، وأنا أصبحت أخت الشهيد.
أعدك بأنني سأروي لابنك عنك وسأحكي له مغامراتنا الطفولية البريئة، سأروي لهم عن شجاعتك وبسالتك، وسأجعله يفتخر بأن والده كان بطلاً وراح شهيداً للوطن، وسأعلمه كيف يتفاخر بأنه ابن الشهيد.
رحمك الله أخي الشهيد الغالي، وأبشرك بأن خبر استشهادك زادنا قوة وحماساً، وها هم إخوانك وإخواني يتقدمون الصفوف فداء للوطن بأرواحهم الغالية غير خائفين من الموت، فالموت من أجل الوطن شرف عظيم..
رحم الله كل شهداء الواجب في البحرين وفي الإمارات العربية المتحدة وباقي دول الخليج، لن ننساكم ولن ننسى لكم هذه المواقف البطولية واستشهادكم في سبيل حفظ الأمن والأمان والدفاع عن الشرعية وحماية الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
وأسأل الله أن يديم علينا وعلى خليجنا الغالي الأمن والأمان وأن يتغمد الله شهداءنا في كل مكان برحمته الواسعة.. وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.