بالأمس قدم رجال من قواتنا المسلحة تضحيات كبيرة على أرض المعركة، ونسأل الله أن يتقبلهم من الشهداء، وهذه هي الحرب، تكبد العدو خسائر، والعدو يضرب أيضاً، غير أن رجالنا بإذن الله قادرين على مواصلة الانتصارات، ولدينا رجال مثلهم في البحرين يتمنون أن يحظوا بشرف الجهاد والدفاع عن شرف الأمة وعن بلاد الحرمين.
القائد العام المشير خليفة بن أحمد حفظه الله كان في مقدمة مستقبلي جثامين الشهداء، كذلك كان سمو الشيخ ناصر بن حمد وسمو الشيخ خالد بن حمد حفظهما الله، فقد قاموا بدور كبير في مواساة الأهالي، وفي المشاركة في دفن الشهداء، وهذا موقف كبير، وليس بغريب عليهم.
أذهب الآن إلى المشهد الكبير، فكل من يشاهد الصورة في المنطقة اليوم، ربما يتألم لما يرى ويحدث، وربما في داخلنا نريد ونتمنى نصراً سريعاً، في اليمن أو سوريا أو العراق.
غير أن كل الذي يجري حولنا إنما هي مخاضات تحدث لولادة بإذن الله جديدة مبشرة، وقد تطول، نعم هناك ألم، نعم هناك تضحيات، نعم هناك بعض الخسائر، لكن كل ذلك سيؤدي بإذن الله إلى واقع أفضل وأجمل، وأنقى، وأنظف، ذلك بعد أن تنظف الجيوب في بلداننا، وينظف ويطهر الثوب من بعض النجس.
رب العباد سبحانه قدر لنا هذا، تألمنا كثيراً حين احتل أذناب الفرس وإيران اليمن، كانت أياماً كئيبة، لم يكن أحد منا متفائلاً لليمن، ظننا أن اليمن ذهبت إلى غير رجعة، كما ذهب العراق، وكما ذهب لبنان.
لكن رب العباد أراد ذلك، حتى تتفق الدول العربية والإسلامية وتنشئ حلفاً قوياً ومتيناً يكون بإذن الله نواة لحلف أكبر، وللتدخل في مناطق أخرى بعد اليمن وهذا أمر رائع ويبشر بواقع جديد في المنطقة.
نعم كان احتلال الحوثيين كارثة، لكن بعد تلك الكارثة جاءت أخبار مفرحة حين قام هذا الحلف بقيادة السعودية، وبقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، وحين شنت دول التحالف حرباً من أجل استعادة اليمن واستعادة الشرعية.
هناك أمور في الحياة قد يكون ظاهرها شراً، وهزيمة وتراجعاً، ولكن بعد فترة ندرك أن ما حدث لنا كان فيه خير كبير، ولكننا كنا نجهل ذلك، ولم نكن نعرف ماذا يخبئ لنا رب العباد من خير.
الصورة الأشمل في المنطقة تقول إن اليمن سيحرر بإذن الله حتى وإن حدثت خسائر، فنحن في حرب وليس في نزهة، لكن حرب اليمن أضافت أيضاً لنا الكثير، على المستوى العسكري، والميداني، والقتالي، فأسلحة الجو، وبقية الأسلحة على الأرض خاضت وتخوض امتحانات وتجارب كبيرة، وكل هذا في رصيدها التراكمي من أجل مواجهة أخطار أكبر، بل إن حرب اليمن تشبه المحك الذي وضعنا فيه، حتى نكتسب الخبرات الميدانية القوية، وفي أرض صعبة التضاريس جداً، مثل أرض اليمن وجبال اليمن.
فلو دخلنا حرباً مفاجئة، لربما أخطأنا في الكثير من الأمور، والاستعدادات، والتجهيزات، والعتاد، لكن الحرب الحقيقية تضعك في المحك، وتكتسب معها الخبرة والتجربة والتحديات، كل هذا حسب ما قدر لنا رب العباد، ونحمد الله على ذلك.
لنثق بالله أولا، فهو الناصر، وهو الحافظ، وهو الموفق سبحانه، ومن ثم لنثق في قادتنا، وولاة أمرنا، ونقف معهم في صف واحد، وتكون أيادينا معهم مجتمعة، البعض يريد لنا الشتات والفرقة، لكن هذا لن يحدث أبداً، فنحن في البحرين والسعودية والإمارات بإذن الله نقف خلف قادتنا، ونقف تحت راية واحدة، وما أجمل راية التوحيد، الراية العليا إلى يوم الدين.
ما يحدث في سوريا أيضاً جزء من هذا التمحيص، وهذا الفرز، نعم تأخرت الحرب، وتأخر النصر، لكن الواقع على الأرض مبشر، فالذي وعد بتطهير الزبداني على حد تعبيره في أيام، لم يستطع أن يفعل ذلك حتى اليوم رغم كل البراميل المتفجرة وسلاح الطيران، ورغم المليشيات والعصابات وقوات الأسد، الزبداني مازالت عصية.
مخاضات سوريا تعطينا صورة أخرى ربما لا نراها اليوم، وهي أن إرادة الله قدرت لنا ذلك لحكمة من عنده، ربما نعرفها، أو نجهلها، لكن الله قدر أن تستمر الحرب، وأن يتورط فيها حزب الشيطان فلا هو يعرف كيف يخرج من وحل سوريا، ولا هو يحقق انتصارات، بل إن التوابيت تعود للضاحية تباعاً ويومياً.
هذه المخاضات ربما هي استنزاف لحزب الشيطان، حتى يضعف وحتى تحدث انشقاقات داخله، وحتى يحجم مقاتلوه عن الذهاب إلى سوريا كما نسمع بين حين وآخر، خاصة بعد منظر التوابيت التي تعود إليهم.
خروج الجماعات المتطرفة وقيامها بأعمال بشعة ومقززة ضد أهل سوريا والعراق، وكأن الله يريد أن ينزع أي تعاطف معها في أي مكان، وحتى نتحد ونقف بوجهها، ذلك أنها صنيعة نظام بشار، وصنيعة الأيادي الأمريكية والصهيونية.
المشهد الذي نراه يخفي صورة أكبر مستقبلاً، الصورة الأكبر التي ربما لن تظهر اليوم ولا غداً، لكنها قادمة، وهي أن إرادة الله شاءت أن يخرج كل الذين خرجوا سواء في اليمن أو دول الخليج، أو العراق وسوريا، حتى نلتفت إليهم، ونقوم بتصحيح كل الأخطاء في بلداننا، فلا يمكنك أن تواجه عدواً خارجياً، ولديك عدو داخلي يتحين الانقضاض عليك.
العقل والحكمة والتجربة تتطلب أن نفرغ أولاً من جيوب وخناجر الخاصرة، حتى نتحد ونطمئن إلى أن الخناجر لن تصيب ظهرنا ونحن نواجه العدو.
كأن الله يريد ذلك في حكمة من عنده، هكذا أرى المشهد، وهو أن المخاضات قد تكون عسيرة ومؤلمة، لكنها ستأتي بولادة جميلة نظيفة وطاهرة، وستقود إلى انتصارات متلاحقة خاصة بعد أن نقطع الأيادي الغادرة الخائنة لأوطانها، ونكسر كل الخناجر المسمومة، ونقف صفاً واحداً في مواجهة العدو الخارجي، وأحسب أن الدولة الصفوية هي أكبر أعداء الأمة، وبإذن الله سيقود الانتصار عليها إلى تحرير القدس عاجلاً أم آجلاً.
** رذاذ
لنتذكر ما جرى في التاريخ من عبر وتجارب، فحين أراد الناصر صلاح الدين الأيوبي أن يحرر القدس، لم يحررها مباشرة، ولم يشكل الجيش لمواجهة الصليبيين دون أن يلتفت إلى الداخل. كان الأيوبي حكيماً، وكان يعرف أن الغدر سمة البعض، وأن الخيانة ديدنهم، هكذا فعلوا مع التتار، ومع المستعمرين والمحتلين الذين جاؤوا للمنطقة.
لذلك ذهب إلى قطع الأيادي التي قد تغدر به (كما هي دائماً) فقضى على الدولة الفاطمية، ونظف الجيوب، وأمن ظهره حين واجه الصليبيين، حتى كان له ما أراد، فقضى على الدولة الفاطمية، ومن بعد ذلك استطاع أن يدير ظهره للداخل دون أن يخشى الغدر، وتوجه لمحاربة العدو الخارجي، وينتصر عليه.
لن تستطيع الانتصار على العدو الخارجي، ولديك عدو داخلي يتربص بك، هكذا يقول التاريخ، وهكذا نستقي العبر، وهكذا يفعل من لديه حكمة ورؤية حصيفة.