منذ العام 2011، لحظة ولادة ما يسمى بالربيع العربي الذي تم التخطيط له في دوائر الاستخبارات العالمية، وتحت مسمى الفوضى الخلاقة تارة وأخرى تحت «يافطة» الشرق الأوسط الكبير، لم تهدأ آلة القتل والدمار والفتك في الوطن العربي خاصة، والعالم الإسلامي على وجه العموم. وبجرد سريع فإن آلاف المليارات تم صرفها على ما يسمى بالربيع العربي، إضافة لملايين القتلى والجرحى والمشردين ومازالت «الحسابة بتحسب».
لم تكن صورة الطفل السوري الأخيرة إضافة لبقية أطفال سوريا الذين غرقوا في رحلات الموت هرباً من الموت، إلا عينة من عينات الضياع العربي، وعلى الرغم من قسوة المشاهد اليومية التي تمطرنا بها وسائل الإعلام عبر العالم من صور الخراب والدماء وتقطيع الأجساد وتفجير كل ما يدب على وجه هذه الأرض العربية، تصر بعض الشعوب العربية على أن ما يجري اليوم من فساد مطلق تجاه الإنسان والأوطان، هو ثورة حقيقية!
اليوم ليس هنالك من ثورة حقيقية ولا هم يحزنون، استيقظوا فالثورات العربية منذ أن انطلقت تم اختطافها وبرمجتها في مكاتب الاستخبارات العالمية وفق مصالحهم وإستراتيجياتهم، حتى أصبحت الشعوب آلة بيد الاستعمار الجديد يديرها كيفما يشاء، فالثورات العربية التي قامت في بعض الدول العربية لم تنجح في أي قطر منها على الإطلاق، بل لنكن أكثر صراحة في هذا السياق، فإن الدول التي قامت شعوبها بثورات مخْتَطَفة سلفاً، لم تجن من ثوراتها سوى مزيد من الفوضى غير الخلاقة، تلك التي عملت لأجلها دوائر الاستخبارات الغربية وبشرت بها كونداليزا رايس في كل منصة اعتلتها عبر العالم.
حين خطط الغرب لتدمير الوطن العربي عبر فوضويات شعبية، كان الهدف من ذلك تدمير كل المنجزات الحديثة للدول الحديثة، مستعينين بذلك على التاريخ الذي عاشه العرب، ومغذين هذا الخراب بطبيعة الموروثات الثقافية المخترقة عبر التاريخ المشوه، إضافة لاستغلالهم الفراغ الذي أحدثته بعض الأنظمة جراء غيابها التام عن مشروع البناء الحضاري والإنساني منذ عقود، حتى استطاعت المخابرات المركزية العالمية تهييـــج الشارع العربـي ضــد الأنظمــة الشمولية، بحجة ما خلفته من فراغ سياسي وقيمي، والذي كان لا بد أن تسدها الشـعوب بالثـورات غيــر المدروسة، حتى قام الكثير منها وفق رؤى غربية بحتة، فكانت النتيجة أن خسرت الشعوب كل الدماء والثروات لصالح الأجنبي.
نعم نحن مع الإصلاح لكن ليس مع الفوضى، كما نحن مع الحوار والسلمية والتوافقات الوطنية في العالم العربي، لكننا ضد العنف وكل أشكال الإرهاب، فمن أراد أن يعرف طبيعة وحقيقة نجاح ثورته، فلينظر إلى نتائجها بكل حيادية، وأن يقيسها بميزان الربح والخسارة، فمن لم يجن من ثورته سوى الفوضى اللامحدودة، فليتوقف لمراجعة مساراتها قبل أن ينتهي به المطاف إلى المجهول الأسود، فحينها لن ينفع الندم ولن تنفع معه شفاعة الشافعين. فالثورات يقوم بها الفقراء، ليجني ثمارها الغرب ومعهم كل شياطينهم من المنتفعين والأحزاب والكثير من القوى السياسية في عالمنا المختطف.