لا نملك أمام الموت إلا أن نقول قدر الله وما شاء فعل.. نعزي أمنا البحرين، قيادة وشعباً، وجميع عوائل الشهداء، كما لا يفوتنا أن نعزي أشقاءنا في دولة الإمارات الحبيبة، وفي الآن نفسه نبارك لهم ولجميع أهاليهم هذه الشهادة، فالموت وإن كان حقاً فالاستشهاد في سبيل الوطن هو شرف ما بعده شرف، ولا ينال هذا الشرف إلا قلة..
من أجمل معاني الفداء افتداء الأوطان بالنفس والذود عنها بالدم والروح، واليوم دول مجلس التعاون تنهض وتعود من جديد لترتوي أرضها بدماء أبنائها لتزهو وتقوى، لن ننحني أو ننكسر أمام العملاء وخونة الأوطان الذين ابتلينا بهم بعدما صبرنا كثيراً جداً على عمالاتهم، ورقدنا في غفلة طويلة جداً عن عفن خيانتهم.
شهداؤنا نحتسبهم عند الله، هم في ذاكرة الوطن وتاريخه، وستبقى ذكراهم العطرة خالدة أبد الدهر يحتضنها التاريخ وتتناقلها الأجيال، ولتعلم يا سيدي القارئ الكريم أن الأوطان تحيا بالتضحيات والدماء الزكية، وكل الدماء ترخص فداء تراب الوطن فلتحيا البحرين..
كانت الأيام الماضية حافلة بالأحداث والمآسي، من نوع المآسي السوداء التي تبعث على الوجع المجروح، ربما أبرز تلك المآسي صورة الطفل السوري (إيلان الكردي) الغريق على شواطئ تركيا والتي هزت العالم أجمع، أما الحدث الأبرز على الساحة الدولية فهو زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن، أجد نفسي، وفي ظل التطورات الراهنة ومن باب المراقب والضرورة، أن نتناول بالحديث فحوى ونتائج هذه الزيارة، وهي الزيارة الرسمية الأولى لخادم الحرمين منذ توليه الحكم، وتأتي في وقت يعتري العلاقات والتحالف الإستراتيجي التاريخي بين السعودية وبعض دول مجلس التعاون من جهة، وواشنطن من الجهة الأخرى، عواصف التغير العاتية وعوامل تعرية الوجوه وكشف الأقنعة واللعب على المكشوف.
القمة السعودية الأمريكية، والتي جاءت على وقع جريمة الغدر والخسة التي ارتكبها الحوثيون، أحد أذناب إيران في المنطقة، وأدى إلى استشهاد عدد من جنود البحرين والإمارات، ناقشت ثلاث ملفات راهنة وهامة، أولها مغامرات إيران في المنطقة، وثانيها الصراع الدائر في سوريا، أما ثالثاً فهو الحدث الأبرز، التطورات في اليمن.
أوباما ومن باب السعي لكسب رضى السعودية ظهر أمام خادم الحرمين الشرفين كالتلميذ النجيب الذي سعى إلى المذاكرة قبل الدخول إلى الامتحان، فحاول بشتى الطرق حصد الدرجات التي تؤهله للنجاح فـ«عند الامتحان يكرم المرء أو يهان».
كان أول ما بدأ به كسر البروتوكول الرئاسي في البيت الأبيض المتبع في استقبال زعماء العالم لإظهار مدى ترحيبه بزيارة خادم الحرمين وتشريفه له، فقام باستقبال العاهل السعودي أمام بوابة الجناح الغربي في البيت الأبيض في تصرف عد نادراً.
الامتحان الثاني حين ظهر في سيل الصور التي التقطت للقمة جالساً في حضرة ملك السعودية بشكل متواضع لأقصى درجة، طبعاً ليس كما حدث مع رئيس وزراء العراق نوري المالكي، حين اجتمع به وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى بطريقة التعالي وعدم الاكتراث بالشخص الذي أمامه، وذلك أمر طبيعي، فـ «الناس مقامات»!
أما الامتحان الأصعب فحين وقف أوباما أمام خادم الحرمين الشريفين عارضاً ترتيبات الاتفاق النووي مع إيران، بما في ذلك عمليات التفتيش والمراقبة على المواقع وإعادة فرض العقوبات لو أخلت إيران بالتزاماتها، وقد كان أوباما يسعى جاهداً من وراء ذلك إلى أمرين مهمين، الأول إقناع خادم الحرمين الشريفين بجدوى اتفاقية جنيف وزرع الطمأنينة في قلبه من ناحية المشروع النووي الإيراني، الثاني هو محاولة استعاده ثقة العاهل السعودي في شخص الرئيس أوباما من جديد، تلك الثقة التي ضاعت وخسرها أوباما بعد أن تكشف للعالم حقيقة المؤامرات والدسائس (مشروع الشرق الأوسط الكبير) التي كانت تحاك داخل البيت الأبيض ضد العديد من الدول العربية من بينها البحرين ومصر، لصالح قوى إقليمية غاشمة تسعى لتوسيع نفوذها داخل المنطقة، وهي إيران وإسرائيل.
لا ندري إذا ما كان أوباما نجح في امتحانه أمام خادم الحرمين الشريفين أم لا، لكن الأيام القادمة كفيلة بأن تثبت لنا إذا ما كان الرئيس الأمريكي تلميذاً نجيباً وذكياً أم هو تلميذ غشاش ومخادع؟!