^ في زيارة خاصة خاطفة استغرقت يومين فقط للعاصمة السعودية الرياض، شاركت خلالها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في «منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأمريكي الأول» بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. كثيرة هي الأسباب التي أبرزها المسؤولون الأمريكان والخليجيون على حد سواء، بشأن الأهداف الكامنة وراء هذا اللقاء الأمريكي- الخليجي. البعض منها أكد على أنه ينعقد من أجل بحث «سبل تكثيف التعاون بين الجانبين في جميع المجالات السياسة والاقتصادية والاستثمارية والتجارية»، والبعض الآخر مثل الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني لفت إلى أن «انعقاد منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأمريكي يأتي في إطار قرار قادة دول المجلس بتعزيز العلاقات الثنائية بين دول المجلس والدول الصديقة والتكتلات الاقتصادية العالمية، ومد جسور التواصل والتعاون مع مختلف دول العالم». وسوف يبحث المنتدى مجمل علاقات التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، إضافة إلى الأوضاع السياسية في المنطقة، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. لا شك أن مثل هذا التقارب الأمريكي – الخليجي هو ظاهرة إيجابية، بل وضرورية من أجل بناء علاقات متميزة تتناسب وحجم المصالح المشتركة بين الطرفين، التي لم تعد كما تكشف الحقائق اليومية محصورة في قضايا النفط والطاقة، بل تجاوزتها كي تشمل إضافة إلى تلك الاقتصادية والاستراتيجية. تنامي حجم هذه المصالح انعكست بشكل مباشر على وقائع «المنتدى» وتركيزها، كما جاء على لسان المسؤولين، من أمثال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي نوه إلى بذل جهود خاصة ترمي إلى «وضع حد لحمام الدم في سوريا»، مشيراً إلى «حق المعارضة السورية في التسلح من أجل الدفاع عن نفسها أمام الأسلحة الحربية التي تستعمل لاستهداف المنازل». هذا يكسب موضوع «المنتدى» وتوقيته أهمية آنية خاصة تتجاوز ما رشح عنها من تصريحات، كون المنتدى ينعقد في أعقاب انتهاء قمة بغداد العربية، التي سيطرت على جلساتها أيضاً القضية السورية. هذا يدفع كلينتون نحو العمل من أجل صد، وفي أقصر وقت ممكن، أبواب القضية السورية المشرعة على مصراعيها، فاتحة المجال أمام سيناريوهات معقدة، لا يصب البعض منها في أتون المصالح الأمريكية في الشرق الوسط، ولا ينسجم مع استراتيجيتها الهادفة إلى إعادة رسم خارطة المنطقة السياسية، بما يتناسب وتلك الاستراتيجية، بما فيها تلك المساحة المشتركة مع البلدان الخليجية من خلال توفير الضمانات التالية: 1. الاستمرار في احتواء الشريان السياسي الشيعي الممتد من طهران ماراً ببغداد معرجاً على دمشق، كي تصل نهايته الأخيرة إلى جنوب لبنان. يفترض كما تريد واشنطن أن ينجح مثل هذا الاحتواء في منع طهران من أية «مغامرة نووية» تخرج مشروع مفاعلها النووي عما هو مقبول دولياً، والحفاظ على التوازن السياسي الدمشقي دون أية مفاجآت غير محسوبة العواقب، تأتي بما لا يخدم المصالح الأمريكية أو يستفز الدولة العبرانية، وحصر حزب الله في الدائرة ذاتها التي يعود عمرها لما يزيد على ست سنوات، تمتد إلى الغزو الإسرائيلي للبنان، والمعارك التي دارت حينها بين القوات الإسرائيلية ومحاربي حزب الله. 2. التحقق من طبيعة وآفاق المثلث السني الآخذ في التشكل، والذي يرسم معالمه التدخل المتزايد في شؤون الشرق الأوسط، الذي باتت تمارسه إسطنبول، ورافعته المحلية الرياض، وزاوية رأسه القاهرة. يشكل هذا المثلث السني، في نهاية المطاف، تهديداً مباشراً للكيان العبري من جهة، ويثير الكثير من المخاوف الأوروبية، التي ما تزال غير قادرة على الخروج من «كابوس الدولة العثمانية» من جهة ثانية، ويبث الشعور بعدم الاطمئنان في جسد الشريان الشيعي الذي أشرنا له. تريد كلينتون أن تضمن في الرياض، قبل أن تحط طائرتها في إسطنبول، أن حدود المثلث السني، فيما لو قدر له النجاح ورأى النور، قد رسمت بمنتهى الدقة التي تضمن استمرار لغة تفاهم مشتركة بينه وبين واشنطن، ومن خلفها أوروبا وبمعيتهما الكيان الصهيوني. 3. ضمان عدم إثارة مخاوف الدولة العبرانية من أي من الخطرين المحدقين بها؛ الشريان الشيعي والمثلث السني. وإشاعة الاطمئنان في صفوف القوى الحاكمة الإسرائيلية يرتبط أيضاً باقتراب موعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، وسعي واشنطن إلى عدم استخدام تل أبيب بنيتها التحتية الكفؤة في الولايات المتحدة لإثارة أي من الزوابع غير المفاجأة التي من شأنها إحداث هزة استثنائية في صفوف القوى الانتخابية الأمريكية، تكون عواقبها وخيمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. تأسيساً على كل ذلك، وانطلاقاً من رؤية موضوعية هادئة للمصالح الأمريكية – الخليجية المشتركة، يأمل المواطن الخليجي أن يكون الطرف الذي مثله في «المنتدى» قد تحلى بالصراحة المطلوبة في مثل هذه اللقاءات، ولم يركن إلى مقعد المتلقي، بل أضاف إليه أيضاً مقعدا آخر، هو مقعد المرسل، فوضع على طاولة الحوارات مع كلينتون والوفد المرافق لها، مخاوف العواصم الخليجية من إجراءات أمريكية مفاجئة لا تأخذ في الحسبان الرقم الخليجي في معادلة العلاقات الثنائية القائمة على المصالح المشتركة. فقد آن الأوان كي تدرك واشنطن أن حماية تلك المصالح هي مسؤولية مشتركة تتراجع فيها الأنانية الذاتية التي سادت السلوك الأمريكي على امتداد ما يزيد على من قرن، كي تحل مكانها الروح الجماعية التي توفر الحماية لكل دولة من الدول المعنية. نأمل أن تكون كلينتون قد غادرت الرياض وهي في طريقها إلى إسطنبول، بعد أن حملها الطرف الخليجي، سياسات ثنائية واضحة المعالم، محددة الأهداف، ترتكز على التعامل المتكافئ، المستمد قيمه من الاحترام المتبادل، متجاوزة من خلال ذلك كل أشكال السلوك الاستجدائي الرافض بشدة الاستمرار في البقاء في صفوف المتلقي.