فور توجيه أي اتهام لإيران والقول إنها وراء عمل ما سالب تضررت منه إحدى دول المنطقة أو كلها؛ ينبري مسؤول إيراني كبير أو صغير لينفي ويقول إن «طهران لا يهمها سوى أمن المنطقة» و«أمن البلد» الذي وجه إليها الاتهام. هكذا قال أخيراً مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بعد توجيه الاتهامات لبلاده بأنها تقف وراء كميات الأسلحة التي تم اكتشافها أخيراً في الكويت، وهكذا قال ويقول غيره من المسؤولين الإيرانيين فور توجيه أي اتهامات لإيران، فإيران لا يأتي منها الغلط!
يقولون ذلك من دون تردد، حتى والعالم متأكد بأنها وراء تلك الأفعال ويرى ويسمع ويلمس ذلك ببصره وسمعه وبكل حواسه، ولن يكون مستغربا نفي إيران بأنها وراء تصرف سيئ سالب ما حتى ولو لم توجه إليها الاتهامات، فتصريحات النفي والنأي بالنفس عن كل خطأ يحدث جاهزاً لديها ومتوفراً بكثرة!
ليس منطقاً وليس معقولاً أن توجه هذه الدولة أو تلك الاتهامات تلو الاتهامات لإيران لو لم تتوفر لديها الأدلة على ذلك، فالعلاقة بين الدول ليست كالعلاقة بين الأفراد، وتوجيه دولة ما الاتهامات الكبيرة لدولة أخرى ليست كتوجيه فرد الاتهامات لفرد آخر، ذلك أن مثل هذه الأمور تؤثر على العلاقات بين الدول، وبالتالي لا يمكن لدولة أن تكيل الاتهامات لغيرها لو لم تكن متأكدة، فالدول لا تفرط في علاقاتها ومصالحها من دون سبب، خصوصاً مع الجيران.
أي دولة -في هذه المنطقة بشكل خاص- لا يمكن أن توجه الاتهامات لإيران لو لم يكن لديها ما يثبت تلك الاتهامات، لأنها تعلم جيداً مدى تأثير مثل هذا الأمر عليها وعلى دول المنطقة جميعاً وعلى الاستقرار فيها، فهذه المنطقة حيوية واستراتيجية وكل ما يجري فيها يؤثر على العالم أجمع.
لولا أن دولة الكويت توفر لديها ما يؤكد تورط إيران في موضوع الأسلحة لما وجهت لها مثل هذه الاتهامات بشكل مباشر أو غير مباشر، ولولا أن البحرين امتلكت من الأدلة ما يؤكد تورط إيران في الأحداث التي تعيشها منذ فبراير 2011 لما وجهت إليها تلك الاتهامات، والأمر نفسه بالنسبة لباقي دول المنطقة.
نفي إيران لأي اتهام مسألة طبيعية، فمن غير المعقول أن تعترف بما قامت به. تفعل ذلك حتى مع توفر كل الأدلة والبراهين، وتفعله حتى وهي تعلم جيداً أن نفيها لا ترجمة له على أرض الواقع، وتفعله وهي تعلم جيداً أن قولها «إنها لا يهمها سوى أمن المنطقة وأمن الدولة التي توجه إليها الاتهامات» لا يمكن أن يقنع أحداً وتفضحه الشواهد.
لا مصلحة لدول الخليج العربي في توجيه الاتهامات تلو الاتهامات لإيران، وكما أنه لا يمكن أن تقوم بذلك هكذا من دون سبب ومن دون توفر الدليل، كذلك فإنه لا يعقل أن تفرط في علاقتها مع هذه الجارة في وقت ترى فيه العالم يتسابق لتطوير علاقته معها أملاً في الحصول على جزء من كعكة الاتفاق النووي، فدول الخليج العربي أولى بالحصول على الجزء الأكبر منها.
في السابق كان البعض يقول إن دول التعاون أو بعضها على الأقل تنفذ ما تؤمر به من توجيهات وأوامر من قبل أميركا وأوروبا، وأنها تتهم إيران وتعاديها إرضاء للغرب، فماذا يمكن لهذا البعض أن يقول اليوم وهو يرى الغرب كله يتسابق لتطوير علاقاته مع إيران بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه وسيتم اعتماده من الكونجرس الأمريكي قبل نهاية هذا الشهر؟
لولا تورط إيران في مثل هذه الأفعال لما وجهت دول التعاون لها الاتهامات ولسعت إلى تطوير علاقاتها بها.