هدف قطاعات الحكومة لابد ألا يحيد عن بوصلة احتياجات المواطن وتحقيق رغباته ورفع نسبة الرضا لديه
بسهولة جداً اليوم يمكنك قياس نسبة رضا الناس في أي شأن كان، سواء أكان معنياً بخدمات حكومية هناك وهناك، أو أداء قطاعات هنا وهناك، أو أي أداء نيابي، أو مدى تطابق الشعارات مع التطبيق العملي على الأرض.
عملية الوصول لرأي الناس باتت سهلة جداً، خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مع ضرورة «الفلترة»، إذ هذه الأوساط تجمع صنوفاً عديدة من طرق التعبير عن الرأي، بعضها تحس فيه المسؤولية والرصانة، وبعضها تجد فيه الانفلات والتهور، وبعضها تجد فيه الإحباط والتذمر، ولكل حالة أسبابها ومسبباتها.
لكن بيت القصيد هنا بأن عملية الوصول باتت أكثر سهولة من ذي قبل حينما كانت القنوات محدودة ومحصورة، وكانت دافعية الناس أقل عنها عن الآن حيث تتوفر في الهواتف الذكية وحدها أكثر من وسيلة للتعبير.
وحتى تستقيم المعادلة لابد أن يكون طرفها الثاني فاعلاً، وهنا نتحدث عن الجهات الرسمية والقطاعات التي بعضها معنية بملاحظات الناس وانتقاداتها والتساؤلات الموجهة لها.
هنا تحسب لبعض القطاعات جسارتها في مواكبة متغيرات عالم التواصل، في دخولها هذا المعترك لا فقط للترويج والإعلان عن خدماتها وجهودها وإنجازاتها، بل بهدف الوصول للمستفيدين من عملاء أو مواطنين والرد على استفساراتهم وحل مشاكلهم، وهذا أمر إيجابي يستوجب التقدير.
هناك بعض الحالات تم حلها من خلال الاستماع لصوت الناس مباشرة، ومن خلال التفاعل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل صحي وصحيح، خاصة حينما تطرح الأمور بطريقتها المثلى وبأسلوب حضاري، وهذا ما نعتبره قمة النجاح في تطبيق معادلة التواصل بين الطرفين المسؤول والمستفيد.
فقط أتخيل لو أن كل سؤال يطرح بصورة حضارية وبأسلوب راقٍ محترم يرد عليه باستيفاء ووضوح وشفافية من قبل الجهة المعنية، لقلت حدة الخطاب الجماهيري بشأن أي قضية معينة، بل لنجحت الدولة في إبدال بعض مشاعر السخط والإحباط إلى مشاعر تفاؤل وحالة شعور بالرضا، خاصة حينما يقرن القول بفعل جاد يحل أي إشكالية تطرح.
والحق يقال هنا، بأن من يعمل لابد من أن يشوب عمله نوع من القصور، وهذا أمر طبيعي، يبقى التميز بأن يكون هناك تقبل للنقد خاصة إن كان بناء وساعياً للمصلحة العامة، وهي الممارسة التي يفترض أن تسود أي مجتمع عبر وعي متنامٍ لدى جماهيره.
يبقى المهم بألا تقطع حبال الوصل بين الجهات الرسمية والمواطنين، إذ هدف قطاعات الحكومة لابد ألا يحيد عن بوصلة احتياجات المواطن وتحقيق رغباته ورفع نسبة الرضا لديه، وهو الطموح الذي نتمنى أن نصل إليه يوماً ما.
إن ترسخت لدينا القناعة بأننا جميعاً في قارب واحد اسمه «الوطن»، وأن جميع الأجهزة والفئات عليها «واجبات» ولها «حقوق»، وأن هناك من لديه مهام يجب أن ينجزها، وأنه في حال الإنجاز لابد من وجود ثقافة الشكر والتقدير، في ظل ممارسات راقية في شأن المطالبة والنقد وحتى التعبير عن الاستياء، إن وجدت هذه القناعة كثابت لدينا، فإننا سنخطو خطوات كبير باتجاه صناعة ثقافة مجتمعية متقدمة قائمة على الممارسات الراقية المتحضرة، كتلك التي نشير لها بالبنان في بعض الدول الغربية.
التكاملية بين الأطراف المختلفة، والاختلاف الصحي الهادف لتحقيق المصلحة العامة، هي أسس التقدم والتطوير، ومن يؤمن بأن التشتت والتشرذم وبعثرة الجهود عبر تكسير العظام وسيادة الإحباط على الأمل والتفاؤل والعمل المجتهد، فهو غير موفق في حساباته.
نتمنى للجهات المعنية في الدولة مزيداً من سعة الصدر وفتح القلوب والعقول والأبواب، ونتمنى من المواطن أن يضرب أروع الأمثلة في رقي أساليب النقد والتعبير الذي هو حقه المكفول دستورياً.