من الصعب على المرء أن يكتب عرضاً متكاملاً لكتابين مهمين يحملان «عطر الكلمات» و»رمضان يجمعنا» من تأليف الأستاذ محمود أحمد شقير، أستاذ اللغة العربية والمدقق اللغوي بجامعة البحرين سابقاً، والفلسطيني الأصل البحريني الجنسية المسلم عقيدة والمعبر عن روح الإسلام في تسامحه وفي حبه للآخر، وهو زاهد في الدنيا؛ يؤلف الكتب ويهيئ له الله من أصحاب الخير ليطبعوها أو يمولوا طباعتها ثم يقوم هو بتوزيعها مجاناً على من يرغب.
بدأ الأستاذ شقير حياته موظفاً وانتهى صوفياً زاهداً، إذا جاز هذا التعبير، ولماذا أقول إنه تحول إلى الصوفية لأن الكتابين يعبران عن الفهم الصوفي الصحيح للإسلام ويقتبس من الآيات القرآنية ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصوفية والصالحين وأقوال الشعراء، ويضيف شعراً من إبداعه ليكمل الصورة حول القضايا التي يطرحها.
وإذا جاز لي أن أتحدث عن الصوفية فإنني ألخصها في ثلاث كلمات هي: العبادة لله والعمل لإعمار الكون بالعلم، والصفاء لله، وذلك استناداً للآيات القرآنية الكريمة (وما خلقت الجن والإنس إلَا ليعبدون) و(ما أريد منهم من رزق وما أريد أَن يطعمون) و(إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).
باختصار إن العبادة والعمل تؤديان إلى النتيجة، وهي الصفاء أو الاصطفاء، ومن هنا كان من أسماء النبي محمد «المصطفى» عليه الصلاة والسلام.
كتاب «عطر الكلمات» يمثل سياحة دينية في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصالحين من عباد الله، ويحتوي على أربعة فصول كل منها يشتمل على عدة موضوعات، كما إنه محلي في بعض صفحاته بالشعر الجميل، ومنها أشعار للمؤلف ومرصع بدعوات مأثورة لمناسبات معينة.
ويبدأ الكتاب بفصل عن «الحب الإلهي» من آيات الله ومن أشعار عاشقة الله المتبتلة والقانتة رابعة العدوية، التي من الأخيار الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى، ومن ثم يفصح محمود شقير في أول صفحات الكتاب عن هويته الصوفية أو بالأحرى انتقاله من مقام العمل الدنيوي إلى مقام الصوفية والصفاء، حيث يلقي الصوفي من ربه الجزاء الأوفى بإذن الله تعالى.
أما كتاب «رمضان يجمعنا» فهو تعبير عن حالة التفاعل الاجتماعي والتواصل بين أفراد المجتمع البحريني عبر المجالس الرمضانية والتزاور بين مختلف الطوائف والأديان والأعراق بغض النظر عن المناصب والثروة والجاه، وهذا دليل على التقارب الاجتماعي والثقافي بين المواطنين، حيث يلتقي كل منهم بالآخر هاشاً باشاً مهما كانت التوترات أو الخلافات الطبيعية بين بني البشر في أي مجتمع من المجتمعات.
يقع هذا الكتاب في 35 صفحة، ولكنه يفيض علماً وفقهاً، حيث يشرح الصيام وما ورد فيه عن الرسول أو من آيات القرآن الكريم وأعمال الصالحين، ولا يمكننا أن ننسى الخصوصية الاجتماعية لرمضان وهي احتفالات الأطفال بالقرقاعون، وهذا تقليد بحريني خليجي مثل فوانيس رمضان في مصر، والهدف واحد فهو إدخال البهجة والسرور على نفوس الصغار ليشعرون بهذا الشهر الفضيل وربما يستعدون لصيامه عندما يكبرون.
ولن نخوض في تفاصيل ما احتوى عليه الكتابان لضيق المساحة وإنما نسوق بعض التأملات:
الأولى: هذان الكتابان يمثلان فاتحة خير للمؤلف وللمواطن العادي وللمثقف، فالمؤلف يحرص على بذل الجهد في البحث والتقصي ويوفقه الله ليجد من يمول نشر الكتاب تطوعاً ثم يقوم المؤلف بتوزيعه مجاناً على من يعرفه أو من يرغب في الاستزادة من المعرفة والعلم ومدون عليه أنه يهدى ولا يباع، إن المؤلف وجد فاعل الخير في هذين الكتابين ممثلاً في الدكتور وهيب الخاجة وجامعة العلوم التطبيقية.
الثانية: إن أهم ما أثار إعجابي في «عطر الكلمات» تركيز المؤلف على موقف الإسلام من حب الوطن والولاء له، وليس على مفهوم الأمة الذي يمثل خلطاً وإساءة فهم. وثمة فارق جوهري بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة، والإسلام يؤكد على ارتباط الوطن بمسقط رأس الإنسان أي الدولة الوطنية بالمعنى الحديث.
ولم ينس شقير وطنه الأصلي فلسطين، وخصص بنداً حول وضع فلسطين في الإسلام، وهذا أمر حقيقي ويحمد له، فسورة الإسراء تتحدث عن المسجد الأقصى كما إن ارتباط العرب بفلسطين وشعبها منذ أقدم العصور وخاصة المسجد الأقصى الذي بناه العرب اليبوسيون قبل ظهور بني إسرائيل ويعقوب عليه السلام.
الثالثة: اهتم المؤلف بقضايا المجتمع المعاصر انطلاقاً من اهتمام الإسلام بها مثل قضايا المرأة والطفل والمعوقين وكبار السن وغير المسلمين من مواطني الدولة الإسلامية، بل إن الإسلام اهتم بالرأفة والرحمة والإحسان لمن يسيء للمرء وأيضاً بالطيور والحيوانات، ولعل في حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن دخول امرأة الجنة في هرة وعن غفران الله لرجل سقى كلباً، خير دلالة على ذلك وخاصة في عصر يقتل الأخ أخاه ناسياً أن ذلك من أكبر الجرائم أو يقتل المواطن رجل الأمن ناسياً أنه لولا رجل الأمن هذا لعمت الفوضى وعدنا لشريعة الغاب.
وأختم هذا المقال القصير الذي لا يفي بحق الكتابين ولا بحق المؤلف برجاء أن تضطلع أي من وزارت التعليم أو الشؤون الإسلامية أو الإعلام بإعادة طبع هذين الكتابين ويتم توزيعهما علي طلاب وطالبات المدارس لنشر الفكر الديني الصحيح والمعتدل بعيداً عن التجاذبات الطائفية والعرقية ونحوها، لعل الله سبحانه وتعالى يصلح أمور المسلمين والعرب جميعاً ويجزي صاحب المبادرة خير الجزاء.