استشهاد طياري أباشي واستشهاد أمر لواء سعودي و45 شهيداً من القوات الإماراتية و5 شهداء من البحرين و10 شهداء سعوديين؛ شذرات ثمينة من مجد العسكرية الخليجية، وقبلها كثير.
لكن أغلب الكتابات عن المؤسسة العسكرية الخليجية تكتفي بالرصد دون التحليل العميق عن العسكري أو عن العلاقة بين المؤسسة العسكرية الخليجية ومحيطها، وزخم هذا العطاء من الشهداء دفاعاً عن العقيدة والوطن. فرغم أن ارتفاع حجم كلفة الجيش يعد انعكاساً لتنامي الدور السياسي للعسكر في البلدان، ورغم أن الجيوش الخليجية أكثر كلفة من نظيراتها في العالم الثالث؛ إلا أن ذلك لا ينطبق على رجال القوات المسلحة في الخليج العربي.
لقد تدخل العسكر في الحياة السياسية بمعظم دول العالم العربي لأسباب عدة، منها سعي الدول النامية للحداثة وظهور أن العسكر هم الأنسب لتولي القيادة والأكثر تأهيلاً تكنولوجياً وتعليماً وتنظيماً، فحافظ الأسد مثلاً كان يعرف عن الافيونكس والايرودينامكس والميكانيكا والكهرباء لكونه طياراً أكثر مما يعرف أغلب الشعب السوري في نهاية الستينات، ومثله عبدالناصر والقذافي الذي تخرج من بريطانيا.
هذا التميز التعليمي للعسكر لم يكن موجوداً في الخليج، ففرص التعليم متساوية للجميع، كما لم يتطور التعليم العسكري لدينا إلا في ثمانينات القرن الماضي، كما برر العسكر قفزهم للسلطة بقوة شحنة الوطنية لديهم، فالاستعداد لمحاربة عدو الخارج بشكل يومي جعل الوطن أولوية تتجاوز الخطوط الطبقية والفئوية، ثم تراجع دور العسكر كقادة وسياسيين؛ لأن الوصول للسلطة أصبح مكلفاً، كما زادت روح الاحتراف وتبعية المؤسسة العسكرية لقيادة مدنية كمطلب ديمقراطي، وجرى خلق توازن بين أفرع القوات المسلحة يمنع القفز دون موازٍ، بل إن د. نزيه الأيوبي في كتابه «تضخيم الدولة العربية» يورد أن السجل الهزيل لإنجازات العسكر أًمام الشعوب وكثرة الهزائم المهينة أهم أسباب توقف قفز العسكر للسلطة لتبدد شعبيتهم.
في الخليج العربي يقدم العسكر الشهداء، ولم يسجل تاريخهم محاولة لاغتصاب السلطة لغياب المبررات التي ذكرناها، بل ولم يكن من تراثنا عسكرة الشوارع والمدن في الخليج، فلم تعلن الأحكام العرفية، ولم يعين حاكم عسكري في بلد خليجي إلا في الكويت لشهر واحد بعد التحرير، سبقتها حالة رمزية واحدة حين اندلعت حرب 67 مع الصهاينة.
بل إننا نفخر بمشاركة أبناء جيوشنا في كل المواجهات العربية مع الصهاينة، وبحشدهم الناجح ضد شرر الحرب العراقية الإيرانية على السواحل وفي الجزر، وتعهدهم إسقاط كل من يتجاوز «خط الملك فهد» الذي رسم في منتصف الخليج من الكويت حتى عمان، كما نفخر بالتشكيل العسكري العربي الوحيد ممثلاً بقوات درع الجزيرة، والتي تعد أحدث وأقوى تحالف عسكري قائم دائم خارج الناتو تدريباً وتسليحاً، كما إن من فخرنا كخليجيين أن نجد رجالنا في الجانب العادل مع الأمم المتحدة في الصومال وأفغانستان وليبيا وسوريا، وبهذا السجل الرائع سننتصر في اليمن.
سينتصر العسكري الخليجي الذي يستشهد دفاعاً عن الحق، لكنه لم يمثل يوماً دور المذل لشعبه.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}