استوقفني منذ أيام قليلة ما سمعته من إحدى الصديقات، وهي مقولة لعازف الغيتار الشهير في فرقة البيتلز، جون لينون، تنص على التالي: «نحن نعيش في عالم يجب أن نخبئ حبنا داخل الكهوف في حين أن العنف يتم ممارسته على الطرقات». المقولة تصف حالنا بتجرد من دون أي روتوشات أو خجل من واقع نعيشه ولا نستطع أن نتهرب منه، ولكن عادة ما نغيّب أذهاننا عن الواقع المر الذي كان نتيجة ما اقترفته أيدينا، أو على الأصح عقولنا التي كانت بالأمس ساذجة وكبرت وتفتحت لكي ترقد في سبات عميق ويكون الحلم «بغدٍ يوم جميل» في حالة دائمة وهو «قيد التنفيذ».
فعندما كنت أسمع من الأهل والأصدقاء وأشاهد على شاشة التلفاز سوء الوضع الذي يمر به الشعب السوري الشقيق، سواء المقيم في دياره أو الذي تمكن ضمن إمكاناته البسيطة التوجه إلى إحدى الدول المشتركة مع حدود بلده، ولا سيما لبنان، رغم علمهم المسبق بالأوضاع السياسية، الأمنية، الاقتصادية والمعيشية المزرية التي يمر بها هذا البلد الشقيق؛ إلا أن العوامل العديدة المشتركة التي تجمع بين الشعبين اللبناني والسوري دفعتهم للجوء إليه.. فكان ولايزال يساورني الكثير من الضيق والغضب والذي طالما ترجمته بأكثر من مرة في كلمات وعبارات نشرتها عبر مقالاتي..
لكن هذه المرة المشهد عندي مغاير تماماً، ولم يعد يتحكم به «ريموت الكونترول» أو تغيير الحديث بطريقة غير مباشرة، فأنا الآن أمام أمر حقيقي مر، بكل ما في الكلمة من معنى، أمام العشرات من العائلات الموزعة في أنحاء شوارع بيروت، فأنا لا أرى أمامي «شحادين»، كما اعتدت من قبل، أناس تستجديك بأدعية وكلمات يرق لها قلبك لكي تخصها بقليل مما أعطاك الله، تعطيهم بيدك اليمنى وفي قلبك تسأل نفسك إن كانوا ينتمون لمافيا الشحادين، فهؤلاء الذين أمر من أمامهم أناس صامتون يتكلمون معك بأعينهم البائسة ويقولون بصمت قاتل «أرجوك أنقذني أو أنقذ أطفالي.. أرجوك أنقذ عزيز قوم ذل وغنياً افتقر» لتقف حائراً لا تعلم ماذا تفعل؟
فالجمل الإنشائية التي اعتدنا كتابتها في المرحلة الابتدائية، الأرض مفرشه والسماء غطاؤه، لم تعد تعبيراً مجازياً وإنما حقيقة مطلقة، والمشهد أقسى وأشد ألماً مما كنت أشاهده من خلال شاشة التلفاز، للحظة تتمنى أن يكون ما تراه أمامك حلماً، وإن كان كابوساً يبقى أخف ألماً ومرارة من الحالة الواقعية التي أراها، وفي أقل من عشر من الثانية تستصغر نفسك عندما تتذكر كل المواقف السخيفة التي قمت بها بأنانية وكنت تحارب الكبير والصغير للحصول على الأفضل الذي يرضيك، فها هم لا ينتظرون إلا القليل وأبسطه وهو العيش في مكان آمن بدل إيوائهم على الدرج الخارجي للمباني، والتي من السهل أن يتقدم لهم حارس المبنى ويمنعهم بعدم الاقتراب إلى داخله كي لا يتعرض هو نفسه للأذى من أصحاب البناية.
أيكفي أن نبكيكم دماً والصمت سيد موقفنا؟! ألم يحن للأمة العربية والإسلامية أن تنتفض من مكانها وتتضامن كلها مع بعضها لكي يتحول الحلم العربي والإسلامي الجميل إلى واقع أجمل؟!
ولكن ما نيل المطالَب بالتمني ولكن تأخذ الدنيا غلاباً..