كلنا يعرف جيداً بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي من الوسائل الإعلامية الحرة والخطيرة جداً، لأنها سلاح ذو حدين، فهي إما أن تصنع معرفة وانتصاراً أو تصنع جهلاً وخراباً، خصوصاً إذا ما عرفنا بأنها من الوسائل «حديثة العهد» على شعوب لم تتدرب بعد على استخدام وسائل التعبير الشخصية، إضافة لعدم وجود قواعد وقوانين تنظم حركة هذه المواقع في شكلها العام، وهذا هو الأهم.
نحن ضد أن تفرض قيود أو محابس حديدية على الأفواه أو حتى على «رُبع» حرية التعبير والكلمة في الوطن العربي، بل نحن مع إفساح المجال للشعوب العربية أن تعبر عن رأيها بكل أريحية من دون وجود جنود يحرسون أو يقمعون الكلمة، كما إننا مع رفع سقف الحريات الخاصة بتلكم المواقع الإلكترونية حتى تتدرب مجتمعاتنا على قيم ومبادئ الديمقراطية شيئاً فشيئاً.
هذا كلام فصل في مجال الحريات التي يجب أن يتمتع بها المواطن العربي، ولا مساومة في أن تكون حرية التعبير هي المعيار الحقيقي لمقياس مستوى التقدم السياسي لأي بلد من البلدان العربية، لكن في المقابل يجب أن تكون حرية التعبير المكفولة دستورياً لا تتعارض مع القيم الإنسانية ومع حرية الآخرين، إذ لا يمكن أن نضع الشتائم واقتحام خصوصيات الآخرين أو الانتقاص من شأنهم على سبيل المثال في خانة حرية التعبير، كما لا يمكن أن نقبل بسلب خصوصيات الأفراد أو الطوائف أو المكونات المجتمعية المتعددة تحت ذريعة جواز النقد باسم الحرية.
اليوم هنالك الكثير من العرب بدؤوا يسيئون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بصورة معيبة، خصوصاً ممن يدخلون تحت أسماء مستعارة أو وهمية من أجل ضرب أمن المجتمعات، أو من أجل بث روح الفرقة وإشعال أكبر كميات من الفتن الطائفية والمذهبية بين الناس، ومما ساهم في هذا الاستخدام الخطير لمواقع التواصل الاجتماعي بالصورة الخاطئة هو غياب القانون الذي يقنن حركة التعبير في المجتمع، بالصورة التي يضمن فيها الفرد عدم انتقاص أو انتهاك خصوصياته، كما يضمن في المقابل عدم إسكات صوت الناس بحجج واهية.
لا يمكن للتقييم الفردي أو المجتمعي أن يكون المسطرة الحقيقية في رفض حرية التعبير أو قبولها، كما لا يمكن قياس سلامة الحريات عبر مسطرة المزاج أو العواطف أو عبر انفعالات الطوائف، بل يجب أن تكون هنالك قيم تحمي المجتمع أولاً وصاحب الكلمة ثانياً، وهذا لن يكون إلا من خلال تقنين عمل وحركة مواقع التواصل الاجتماعي بصورة متوازنة.
بما أن مواقع التواصل الاجتماعي بكل أشكالها تعتبر من الأمور المستحدثة في الوطن العربي، كان لزاماً على حكوماتنا الاستعانة بالقوانين المعمول بها في الدول المتقدمة فيما يخص حرية التعبير، من أجل إصدار حزمة من القوانين التي تضمن وتكفل حرية الكلمة وفي ذات الوقت حرية الأفراد، إذ لا يمكن لأي مواطن عربي أن يفسد واقع المجتمعات العربية أو يفسد واقع النظام الذي يحمي الدول ويسير أفرادها، أو يتعرض لأمن الشعوب وسلامتها تحت ذريعة حرية الكلمة، لأننا نؤمن في نهاية المطاف، أن القانون الدولي والإنساني يقول لنا «تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين»، نقطة آخر السطر.