جمهورية بلا رئيس، حكومة بلا فاعلية، برلمان بلا جلسات، نفايات تجتاح الشوارع وتكاد تقفل المدارس، وحتى الطبيعة نفثت عواصفها الرملية لتنذر الجميع - كلّهم يعني كلّهم!.. إذا لم يستطع الحوار المرتقب اليوم تحريك هذا الواقع فإنه سيؤكّد المؤكّد: لم يعد أحدٌ معنياً بوجود دولة، بل هذه «الدولة»، لكن هناك مستفيدين من هذه العدمية المتمادية وسيكونون جالسين إلى طاولة الحوار. ولا داعي للتعمية والتمويه، فهم مَن عطّلوا ويعطّلون انتخاب رئيس، وهم من شلّوا الحكومة ومجلس النواب، أعني بهم «حزب الله» و»التيار العوني» اللذين يريدان فرض إرادتهما، معوّلَين على قوة «السلاح غير الشرعي».
فهذه هي المعادلة الحقيقية لما كان «وفاقاً وطنياً» ولم يعد، ولا يُراد له أن يعود، لكن يستمر التكاذب بشأن الهوية «الوفاقية» للحكومة. ولو غاب ذلك السلاح لتساوت 8 و14 آذار في الهموم والمسؤوليات. أما الفارق الذي تبدّى طوال عشرة أعوام فهو أن هناك فريقاً لديه أجندة سياسية يحرّكها بالاغتيالات ويستخدمها لمصادرة «الدولة» كما للسمسرة لـ «تصدير الثورة»، والآخر لديه أجندة سياسية.
كل تيارات «8 آذار» تتصرّف بنهج وفجور ميليشيويين على أساس أن «سلاح المقاومة» ظهير لها. وكل تيارات «14 آذار» تتصرّف بنهج سياسي أقرب ما يكون إلى «المدني»، الذي يتميّز به الحراك الشعبي الحالي، بل يتميّز أيضاً باستغلاله إلى أقصى حد من جانب «8 آذار» وبلطجيتها. صحيح أن لكل من الفريقين ارتباطه الخارجي، لكن النقاش الأخرق يذهب إلى لوم السعودية لأنها تسلّح جيش الدولة فيما يشكر إيران على تسليحها الميليشيات اللاغية للدولة، في لبنان كما في العراق واليمن وسوريا.
في زحمة التحليلات والتوقعات لـ «حوار» الأطراف السياسيين اليوم، والحراك المدني الاحتجاجي الذي يواكبه، ليس واقعياً ولا نزيهاً نسيان معادلة «السلاح مقابل السياسة»، فهي تتحكّم مسبقاً بنتائج أي حوار. ذاك أن قواعد اللعبة في العقل الميليشيوي هي إخضاع السياسة للسلاح وليس البحث عن التوافق: ترضخون فتنتخبون ميشال عون رئيساً أو لا انتخابات ولا رئيس، ننتظركم، وإذا لم ترضخوا فلا تتوقعوا سوى المزيد من الانهيار لحكومتكم ودولتكم.. وهذا على رغم أن المستقوين بالسلاح «شركاء» محاصصون في الدولة وأعضاء مجالسون في الحكومة، لكن القاعدة التالية في العقل الميليشيوي هي أن «شريكك خصمك» ويمكن أن يصبح بسهولة «قاتلك».
الاتفاق على انتخاب رئيس هو ركيزة النجاح لـ «الحوار»، لكنه «افتراضٌ مستحيل» وفقاً لما توقعه سمير جعجع، عن حق، ما لم يفاجئوه، ولن يفاجئوه. فالعنوان بات معروفاً: الرئيس المناسب لـ «حزب الله» – أي عون – ليس مناسباً للبلد. أما الاتفاق في البنود الأخرى، كما يرغب الرئيس نبيه بري، فلن يكون أقلّ استحالة. ولن يفاجئوه.

- عن صحيفة «النهار» اللبنانية