عند الحديث عن حرية الصحافة في البحرين؛ ينبري البعض ليقول ببساطة إنها غير متوفرة هنا، ثم عندما تدقق في تفاصيل قوله تكتشف أنه يفهم الحرية على أنها قول ما يشاء عمن يشاء بالكيفية التي يشاء وقت ما يشاء، وهو ما لا يمكن قبوله حتى في الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطية وتلك التي يتخذها مثالاً ونموذجاً.ببساطة يقولون إن فلاناً وعلاناً أودعا السجن بسبب آرائهما السياسية، وعندما تدقق في الأسباب تكتشف أنهما لو قالا ما قالاه في بلاد أخرى، ومنها تلك البلاد المثال لتم إعدامهما. وببساطة يقولون إن فلاناً أو علاناً الذي ألقي القبض عليه وتم تحويله للنيابة وحبسه أدين بسبب تغريدة، مجرد تغريدة، لكن عندما تعود للتغريدة تكتشف أنه ارتكب حماقة ومارس اعتداء صريحاً على الآخرين وعلى كل القيم والأخلاق وأنه لو غرد هكذا في تلك البلاد لطيروه هو والشجرة التي كان يغرد من فوقها!القول إنه لا توجد حرية للصحافة في البحرين سهل، لكن إثباته صعب جداً لأن كل الشواهد تؤكد وجود سقف للحرية مرتفع، وتؤكد أن هذا السقف لا يتوفر في الكثير من البلدان وعلى الخصوص ذلك البلد الذي يعتبرونه مثالاً يحتذى. هناك أعراف لا يمكن تجاوزها بسبب طبيعة المجتمع وطبيعة الشعب، وهناك ظروف وحالات تمر بها البلاد لا بد من مراعاتها، وهناك أصول وأخلاق وعادات وتقاليد وقيم تفرض أموراً ولا يمكن إلا القبول بها، والأكيد أنه لا توجد حرية مطلقة في أي بلد. في مجتمعنا مثلاً لا يمكن تناول علماء الدين بالنقد بحجة الحرية الصحفية إلا في الجزئية المتعلقة بنشاطهم السياسي لو أنهم كانوا يمارسون هذا النشاط، فالأعراف والتقاليد لا تسمح بهذا الشيء حتى لو كان القانون يسمح به، فلعلماء الدين في مجتمعنا مكانة يصعب معها تناولهم بالنقد بالكيفية التي يمكن تناول الآخرين بها. والأمر نفسه مع شرائح مجتمعية أخرى، حيث عدم انتقادهم أو عدم السماح بانتقادهم بقسوة لا يعني غياب الحرية الصحفية. مقارنة مجتمعنا بالمجتمعات الموغلة في الديمقراطية خطأ يرتكبه البعض المتحمس للحريات، وعدم النظر إلى ظروف مجتمعنا وظروف كل مرحلة يمر بها خطأ آخر يرتكبه. اليوم على سبيل المثال تمر البلاد والمنطقة بظروف غير عادية تستوجب أموراً لا مكان لها في ظروف أخرى، ففي مثل هذه الظروف من الطبيعي أن تتأثر الحريات أو حتى تجميد أجزاء منها إلى حين، فهناك دائماً مصلحة عليا لا بد من مراعاتها، تماماً مثلما أن هناك دائماً أموراً تحكم كامل العملية بسبب طبيعة المجتمع.هنا مثال؛ في الوضع الطبيعي يمارس الكتاب الصحافيون دورهم في النقد والتنبيه إلى الأخطاء بإصرار وبقسوة ويمارسون ضغوطاً على أصحاب القرار كي يصلحوا من أمر معين، لكن هذا يصعب فعله في الوضع غير الطبيعي الذي تمر به البلاد والمنطقة. هذا لا يعني التوقف عن نقد الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ولكن هناك ملفات ليس هذا هو الوقت المناسب لفتحها أو التركيز عليها، فالأهم قبل المهم، والمهم يأتي بعد أن تعود الأحوال إلى وضعها الطبيعي. لا توجد حرية مطلقة ولا توجد قيود أبدية على الصحافة، ولكن يوجد تقييد تفرضه طبيعة المجتمع وتفرضه الظروف التي يمر بها والأحوال التي تسود في مرحلة بعينها، والجملة التي قد تتسبب في الأذى اليوم ويصعب قبولها قد تجد القبول بعد حين ولا تتسبب في الأذى. هذه أمور للأسف لا ينظر إليها ذلك البعض الذي يعتبر الحكومة مقصرة في كل شيء وتمارس التضييق على كل شيء.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90