وضع شروط وضوابط للنأي بالمنبر الديني وإبعاده عن الخطاب السياسي التحريضي أمر صار في غاية الأهمية بسبب استغلال البعض لهذا المنبر المؤثر وإخراجه عن سياقه ووظيفته. فعندما يحرف المنبر الديني ويتحول إلى منبر سياسي بامتياز فهذا يعني أنه صار لزاماً وضع ضوابط له وشروط يجب أن يلتزم بها كل من يرتقي هذا المنبر. هذا كلام منطقي وهدف تسعى الحكومة الآن إلى تحقيقه، خصوصاً بعدما تبين الدور السالب الذي صار يقوم به البعض من على هذا المنبر.
المنبر الديني، وكما يدل اسمه، هو لبيان أمور الدين والدنيا للمسلمين كي يتمكنوا من أداء واجباتهم الدينية بالشكل الصحيح وليس لبيان الأمور السياسية، والاستفادة من هذا المنبر للتحريض يعني أن البعض يريد أن يغير من الغاية منه ويستغله لأهداف لا علاقة لها بالدين، ويعني أن رجل الدين ترك مهمته ووظيفته ودخل في مساحة لا علاقة له بها وصار يوظف آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والروايات لخدمة غرض آخر ينتج جماعات تمارس التطرف باعتباره واجباً دينياً.
المؤسف أن البعض استغل المنبر الديني على مدى سنين طويلة استغلالاً فاحشاً، والناتج هو ما يراه الجميع اليوم من ممارسات متطرفة لا علاقة لها بالدين ويتضرر منها الجميع. ساعد على ذلك المتلقي الذي بطبيعته يعلي من شأن العمامة ويحسب أن صاحبها لا يريد له إلا خير الدنيا وخير الآخرة، كما ساعد عليه قدرة بعض هؤلاء على الربط بين بعض الأحداث التاريخية وما نعيشه اليوم من أحداث وتطورات، وأوصل المتلقي إلى مرحلة وجد فيها نفسه على مفترق طريقين عليه أن يسلك أحدهما، فإن لم يسلك الطريق الذي يريده له معتلو المنبر فهذا يعني أنه ضاع وعليه أن يتحمل مصيره في الدنيا والآخرة، أما إذا اختار الطريق الذي يراد له اختياره فهذا يعني أنه صار عليه أن ينفذ كل ما يصل إلى أذنيه من تعليمات وإلا يكون قد خالف الدين وخسر الجنة.
المنبر الديني خطير وبعض معتليه لديهم قدرات غير عادية على التحريض والشحن عبر توظيف الروايات والقصص التاريخية، بل إن بعضهم لا يتوانى عن تأليف ما يشاء من روايات وقصص أو لي عنق الحقيقي عندما يرى أنه يمكن أن يخدم ما يريده والهدف الذي يسعى إليه.
ليس الحديث هنا عن منبر دون آخر، حيث استغلال المنبر الديني وتوظيفه للتحريض لا يتم من فئة دون أخرى، ووضع الحكومة ضوابط وشروط ليس لتقييد معتل له دون آخر، فكل معتل للمنبر الديني يمكن أن يحرفه عن مساره ووظيفته لو أراد ذلك ولم تصده شروط وضوابط.
التضييق على من يعتلي المنبر الديني ليس لمضايقته ولكن لمنع حرف هذا المنبر عن مساره الطبيعي، ولكي تتحقق الرسالة من وجوده، خصوصاً أن للسياسة منابر أخرى كثيرة يمكن لمن شاء أن يعتليها. دور من يعتلي المنبر الديني معروف وواضح، ونجاحه يكون في التزام المتلقين بالأحكام الشرعية وملاحظته ما يحدث للمجتمع من تطور إيجابي أمر به الدين الحنيف، لكن دوره بالتأكيد لا علاقة له بالسياسة وليس التحريض. لهذا فإن وضع الضوابط والشروط مسألة مهمة، خصوصاً مع استسهال البعض لارتقاء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وما تم ملاحظته ورصده من تأثير سالب نتيجة استغلال البعض لهذا المنبر.
يبقى أمر مهم آخر وهو أن من سيقوم بوضع الشروط والضوابط ينبغي أن يكون من المتخصصين في هذا الأمر، وأن يراعي الله سبحانه وتعالى والشرع كي لا تهمل واجبات هي من اختصاص معتلي المنابر الدينية وكي يكون الفصل بين هذا وذاك فصلاً دقيقاً.