طوال مشوارنا الإعلامي والصحافي لاقت كثير من كتاباتنا وزملائنا وتغطياتنا الإخبارية تفاعلاً سواء من قبل الناس أو الجهات المعنية رسمية أو أهلية، خاصة التفاعل الذي يأتي من الجهات المعنية والتي يطالها النقد على هيئة «تعقيب» أو «رد» أو «توضيح»، وبعضها قد يصلنا على شكل «دعاوى قضائية» أو احتجاجات رسمية. 
ما أود الإشارة إليه هنا يتركز حول «ثقافة الرد» والتي تأتي كنتيجة لما يتعاطاه وينشره الإعلام، وفي ظل التطور التكنولوجي الحالي، فإن إدخال وسائل التواصل الاجتماعي واعتبارها طرفاً في معادلة المتابعة والتفاعل والرد أمر مطلوب ووارد. 
وللأمانة نقولها فإن الفارق بين وواضح، مقارنة بين سنوات سابقة والوضع الحالي، فقبل الانفتاح الإعلامي واتساع مساحة الحريات لم يكن تعاطي الجهات الرسمية بمثل المستوى الحالي، وأعني من ناحية «توسيع الصدر» و»طولة البال» أو «الحرص على الرد»، رغم الإدراك بأن كثيراً من الجهات تمارس أساليب التعاطي هذه الأيام مجبرة حتى لا تتهم بإخفاء المعلومات أو معاداة حرية التعبير والإعلام، وطبعاً تجنباً لأية حملات إعلامية هي الأسهل اليوم في تحريك الشارع والتحكم في مزاجه. 
لكن تحليل أساليب التعاطي يقودنا لحقيقة مفادها بأننا مازلنا في عملية «الوصول للنضج» بشأن «ثقافة الرد» وأسلوب التعامل مع وسائل الإعلام، ويمكن قياس ذلك باحتساب المدى الزمني للتفاعل. 
هناك جهات تلقى الإجابات لديها على أي تساؤل في زمن قياسي وسرعة مذهلة، تتفاعل معك وتسعى للتواصل شخصياً وتقدم الردود الشافية في قالب إعلامي محترم راق ويكشف لك احترام الاختلاف والرأي الآخر، ويبين لك الحرص على تصحيح أي معلومات مغلوطة، أو التوضيح بطريقة «لا تضيع الهدف»، بحيث لا ينحرف الرد والتوضيح ليركز على استهداف الوسيلة الإعلامية أو الكاتب بقدر ما يقدم الحقائق على اعتبار أن المعلومات المنشورة أو الواصلة لم تغطي كافة جوانب الموضوع المتناول. 
هذا نموذج متقدم من التعاطي نتمنى أن يسود كثقافة وممارسة ناجمة عن اقتناع لدى كافة الجهات الرسمية، نقول نتمنى هنا. 
في حين نجد على الضفة المقابلة جهات ترى في الانتقاد الإعلامي لها «جريمة» حتى لو كان الخطاب الناقد والأسلوب المستخدم «أرقى من الرقي نفسه»، بل تعتبر كلام الناس وانتقاداتهم في وسائل التواصل الاجتماعي «ممارسة متخلفة» تنم عن ضحالة فكر وجهل، في حين أنها على العكس تماماً، تنم عن مجتمع متحضر متابع يتفاعل ويتأثر بما حوله ويحرص على إيصال صوته، وإن كان الأسلوب متحضراً وراقياً فـ»أنعم وأكرم»، إذ مكسب أي مجتمع يتمثل في تحضر ورقي شعبه. 
عموماً، هناك ممارسة مؤسفة تصدر عن بعض المؤسسات والمسؤولين حينما يعبرون عن استيائهم من استمرار النقد وكثرة التساؤلات وكأن هناك حملة موجهة أو استهدافاً تجاه هذه الجهة أو تلك. 
هنا لا ننكر بأن للإعلام والصحافة أساليب وتكتيكات إحداها تركيز الجهود على قضية ما، أو تسليط الضوء بشكل مركز على جهة معينة لو كانت المصائب فيها تطفو لوحدها على السطح، لكننا نشير هنا لحالات تلتزم فيها بعض الجهات الصمت، ولا تتفاعل مع ما ينشر، ولا ترد على التساؤلات التي تطرح مرات عديدة وبتكرار مستنسخ، وكأن الصحافة تخاطب جماداً لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وبعدها كل ما تقدر عليه هذه الجهات أو مسؤولوها اتهام الإعلام بالاستهداف أو الصحافة بالتحامل!!
يا جماعة، أنتم ردوا أولاً على التساؤلات الموجهة لكم، ردوا على الانتقادات، تفاعلوا بسرعة مع الأمور، بعدها يحق لكم لوم الإعلام والصحافة والناس، لكن أن تصمتوا صمت القبور، حينها لا حق لكم للوم الإعلام ولا الجمهور.