ودعت الساحة التربوية واحدة من أقدم القيادات النسائية التربوية، وأقدر المربيات الفضليات في البحرين. الأستاذة المعطاء بهية علي الغانم. تعرضت الأستاذة بهية الغانم رحمها الله لوعكات صحية متتالية منذ العام الماضي، إلا أنها رحلت في هدوء كالنسائم وفي سلام كالحمائم.
خدمت الأستاذة بهية الغانم - رحمها الله - التعليم في البحرين لسنوات طويلة تتجاوز الأربعين. تدرجت خلالها في جميع المناصب التعليمية ابتداء من معلمة مروراً بمديرة مدرسة وانتقالاً إلى رئيسة قسم التعليم الإعدادي ثم مديرة التعليم الإعدادي وانتهاء بمستشارة وكيل الوزارة لشؤون المواد والموارد. وكانت بصمة وعلامة وإضافة في كل موقع عملت به. ومثلت - رحمها الله - نموذجاً للتربوي الذي نحتت فيه سنوات العمل في الميدان التربوي خبرة عملية وعلمية يتعذر اكتسابها دون الانصهار الحقيقي والمباشر في العمل داخل المدرسة وداخل أروقة وزارة التربية والتعليم ودون التعرض لمحكات تربوية مؤثرة ولسنوات طويلة. ولم تبخل - رحمها الله - على أحد في إسداء المشورة مما تجود به من خبرة تربوية تراكمية لا غنى لمن حولها عنها. كنا نعرض عليها المستجدات التربوية والمتغيرات في الساحة التعليمية وكانت تفيدنا بآرائها وخبرتها وتثري الحديث بحكمتها التي صقلتها سنوات العمل الطوال.
ما كان يميز الأستاذة بهية - رحمها الله - عن سواها من المسؤولين هو علاقاتها الاجتماعية الوطيدة والكثيرة. فهي تقرب جميع الفئات التي عملت معها من كبار المسؤولين حتى صغار الموظفين، بل حتى المراسلين والمزارعين والعاملين من الجنسيات الآسيوية. جميعهم يحبونها ويقدرونها. وكان لأخلاقها النبيلة وتواضعها وظرفها أثر بالغ في جذب الجميع نحوها وشعورهم بأنها تمثل «الأم» و«المعلمة» لهم. فمنذ عملت في وزارة التربية والتعليم وتعرفت عليها - رحمها الله - لم أسمع أنها أساءت لأحد قط، أو أن بينها وبين أي شخص سوء تفاهم أو علاقة متوترة. كانت - رحمها الله - تستقبل الجميع بابتسامة عذبة وسؤال رقيق، وكانت تتفقد الذين يغيبون عنها طويلاً وتبادر بالاتصال بهم والسؤال عن سبب غيابهم. وكان الجميع حريصين على التواصل معها والسؤال عنها.
وفي فترة مرضها لم ينقطع عنها السائلون، ولم يفتر عن زيارتها محبوها وزملاؤها. وبرغم التراجع الكبير في صحتها في الأيام الأخيرة إلا أن الله سبحانه وتعالى من عليها بقدر جيد من العافية التي أعانتها على ممارسة حياتها الطبيعة، واستقبال ضيوفها ببشاشة واتزان ورحابة صدر وانشراح محيا. لذلك لم يتخيل أحد أن تجمع الأستاذة بهية أمتعتها من الحياة الدنيا بهذا الهدوء وأن تغادرنا سريعاً بسكينة وسلام. وترك فراقها حزناً خيم على الجميع وفتح دفاتر الذكريات وسنوات العمل والإنجاز الطويلة.
رحم الله الأستاذة بهية الغانم، وأسكنها فسيح جناته، وجزاها خير الجزاء، عما قدمته للبحرين وللتعليم من عطاء غزير وإخلاص يشهد لها الجميع به. وستبقى ذكراها في ضمير كل من عمل معها وتعامل معها وسيبقى الجميع مخلصاً لأستاذيتها وصداقتها وزمالتها. رحلت عنا الأستاذة بهية الغانم، استجابة لقضاء الله وقدره، لكنها تستحق منا كل التقدير والتكريم والثناء. وإنا لله وإنا إليه راجعون.