عود على بدء، حيث يجب استكمال الحديث عن مكاتب استقدام الأيدي العاملة في البحرين، ومدى التلاعب الذي يمارسه أصحاب الكثير من تلكم المكاتب فيما يخص قضايا الأمانة والصدق في جلب الشغالات خصوصاً، وكذلك تراخي الدور الرقابي من الجهات المختصة بشأن مواصفات الأيدي العاملة، وحتى نستوضح هذا المعنى، دعونا نروي لكم هذه القصة الغريبة.
هاتفني أحد المواطنين عن محنته غير المتناهية مع مكاتب استقدام الأيدي العاملة، لعل أغربها آخرها، حيث استقدم صاحبنا «شغالة» من جمهورية الهند، وحين جاء بها إلى المنزل، عرف أنها لا تجيد اللغة الهندية الرسمية أو حتى إحدى اللغات المتداولة في الهند، فحاول أن يتحدث معها بالعربي وبالإنجليزي وبالأردو وببقية اللغات التي يعرفها لكنه فشل في ذلك.
حاول المواطن «المنْصم» بهذه الشغالة أن يجرب حظه مع الكثير من أبناء الجالية الهندية حسب اختلاف أصولهم الهندية ممن يقطنون مملكة البحرين من الذين يعرفهم كأصدقاء، من أجل أن يقوموا بالتحدث مع «شغالته» لكنهم وبجميع اختلاف مناطقهم، لم يفهموا لغة هذه الشغالة!
تورط صاحبنا في التعامل مع شغالته، كذلك زوجته وأولاده، بل تورط في أن يقوم بإرسال رواتبها إلى أهلها داخل الهند، لأنها لا تعرف رقم حساب أهلها البنكي، ولا هو يعرف حسابها، والسبب، هو عدم قدرته في التواصل معها بكل اللغات ومن جميع الأعراق الهندية التي يعرفها كما ذكرنا قبل قليل. يخبرني هذا المواطن أنه لا يطيق تحمّل هذه الشغالة بسبب عدم إنجازها أي من الأعمال المنزلية، على الرغم من مرض زوجته المزمن، وخسارته للرواتب التي يقوم بصرفها على شغالة لا تتكلم. يوعز صاحبنا هذه الظاهرة الغريبة، بأن شغالته ذات الأصول الهندية هي من المناطق الريفية النائية جداً، فهي وحسب ما يخبرنا أنها لا تعرف استخدام أيّ من الأدوات المنزلية، بل ربما لم ترها من قبل، كالمكواة والغسالة والفرن وغيرهم من مستلزمات المنزل، ولهذا فهي لا تجيد التعامل معها. الزبدة، كيف تسمح الجهات المعنية بشؤون الأيدي العاملة أن يدخلن بعض الشغالات والمربيات إلى الوطن وهن لا يجيدنّ التحدث بأهم اللغات التي يمكن التعامل معها بشكل سلس في البحرين؟ وهل هناك ضعف في الرقابة على دخول الشغالات اللاتي لا يعرفن حتى لغتهن الأصلية؟ أم أن الأمور تجري على البركة، دون رقابة ولا هم يحزنون؟
تخيل لو جلبت تلكم المكاتب المختصة الكثير من هذه النماذج التي لا تجيد التحدث مع المواطنين في إطار وظائفهم المعتادة، ماذا سيكون الحال بعد سنوات قادمة؟
إنها مشكلة تحتاج إلى حل، وهذا الحل يحتم علينا التفكير الجدي من طرف الدولة فيما يخص مستقبل هذا الملف المُهمل الخطير، فالعمالة الأجنبية والعمالة المنزلية والعمالة السائبة، واليوم العمالة التي لا تستطيع التخاطب معنا عبر كل اللغات، يعتبرون من أبرز التحديات التي تواجه دول الخليج العربي ومجتمعاته، وما القصة التي ذكرناها بخصوص الشغالة التي لا تعرف لغة وطنها إلا نموذج من نماذج التخبط والتخطيط في ملف يقلقنا بما فيه الكفاية، ويقلق مستقبل دولنا.