من يتابع نشرات الأخبار بالفضائيات «السوسة» وعلى رأسها فضائية «العالم» الإيرانية يشعر وكأن قلب المذيع يرقص فرحاً وهو يقرأ خبراً عن تقدم قوات الحوثيين والرئيس المخلوع أو خبراً عن استشهاد جندي أو أكثر من جنود قوات التحالف بقيادة السعودية أو تعرضها لخسائر معينة، والأمر نفسه لو كانت الأخبار تخص تقدم النظام في سوريا، بينما يبدو الكدر على وجهه عندما يقرأ خبراً عن تعرض الحوثيين ومن معهم أو تعرض بشار الأسد و»حزب الله» ومن معهم للخسائر حتى لتشعر أنه يقول لك.. تقبل التعازي! أما التقارير الإخبارية التي تبثها وتعيد بثها بسخاء فيبدو فيها الانحياز والمبالغة بشكل مقزز حيث يحرصون على استعطاف المتلقي لينحاز إلى موقفهم ورأيهم من خلال تضخيم الأمور وإعطائها أبعاداً لا تستحقها، ولا يستطيع معدوها وقراؤها أيضاً إخفاء مشاعر الفرح في الجزئيات التي تتناول «العدو» بالسوء فتأتي عبارات مثل «حققت قوات الحوثي تقدماً.. وسيطرت وفعلت وكبّدت وألحقت (.....) خسائر كبيرة»، بينما يتم صياغة العبارات التي يراد منها الإساءة إلى قوات التحالف أو المعارضة في سوريا بطريقة تشعر المتلقي بأن هذه القوات تستحق الإدانة الفورية فهي «شنت وقتلت وهدمت وروعت وشردت ودمرت وأجرمت»، وبالتأكيد فإنها تعتبر كل من يسقط من المحسوبين عليها شهيداً بينما تستخدم ألفاظاً مثل «قتل» المبنية للمجهول عند الحديث عن شهداء قوات التحالف أو المناوئين لبشار الأسد و»حزب الله»، ولولا بعض ما تبقى من الحياء لاستخدمت ألفاظاً أخرى لا تستخدم عند الحديث عن وفاة البشر .
إعلام خطير ومدروس يتم تطبيقه بعناية ويؤكد تراكم خبرات لا يستهان بها، فهو لا يفوت أي خبر يعتقد أنه يمكن من خلاله الإساءة إلى من يعتبره عدواً، ولا يتأخر عن توظيف كل ما يمكن توظيفه من كلام أو صورة يصب في الاتجاه نفسه. قبل أيام بثت هذه الفضائيات تقريراً احتوى على مقابلات مع من سمتهم رجال دين باكستانيين في إسلام آباد قالوا ما طلب منهم قوله عن حكومة البحرين وعبروا عن تعاطفهم مع من طلب منهم التعبير عن التعاطف معهم واعتبروا الحكم على أمين عام «الوفاق»، الجريمة الأكبر في القرن الحادي والعشرين بل إن أحدهم وصف سجنه بـ «الحماقة».
للأسف لا تملك البحرين ودول مجلس التعاون كافة مثل هذا الإعلام الذي من قوته لا يتردد حتى عن محاولة إقناع المتلقي بأن اللون الأصفر الذي يراه ليس أصفر وإنما هو بنفسجي، وأن الأحمر ليس أحمر، ولكنه ما يحدده له ذلك الإعلام.
متابعة تلك الفضائيات لمحاكمة أمين عام الوفاق قبل يومين مثال على قوة تأثير ذلك الإعلام، فما كان يجري في قاعة المحكمة كان يبث على شكل خبر عاجل أولاً بأول وبطريقة مثيرة ويعزز بقراءة من المذيع أو المذيعة مصحوباً بتعليق عاطفي، وكان يبث بطريقة تظهر فيها الحكم في البحرين وكأنه «ارتكب جريمة»، وتظهر القضاء وكأنه «دخيل على القضاء وظالم»، يرافق ذلك تقارير ومقابلات وأخبار عن نشاط الساعين إلى الإساءة إلى البحرين في جنيف، في ربط مذهل بين الحدثين، فقد كان الهدف هو توفير المعلومات أولاً بأول لأولئك كي يستغلونها في استمالة من يريدون استمالته من الحاضرين هناك كي يتخذوا موقفاً من البحرين.
إعلام أكثر من خطير صار من اتخذ قرار العيش في الخارج يتعلم منه سريعاً ويطبقه في الفضائيات التي تم توفيرها له، وصار من يتابع تلك الفضائيات يستطيع أن يجزم بهذا الأمر، فليست فضائية «الميادين» وحدها التي صارت نسخة، وإن بطعم مختلف، من فضائية «العالم»، فقد صارت الفضائيات التي تم تأسيسها في لندن وغيرها نسخاً أخرى.