صور الظل لا يمكن أن تختفي خلف بريق أسنان زعماء الجمهورية الإسلامية، وهم يضحكون مبتهجين بالاتفاق النووي الذي وقعوه مع القوى الدولية.
وهناك أكثر من مشهد قاتم، مهما تدخلت الأيادي الخفية للملالي لتغيير ملامحه، ليكون مناسباً مع البريق الذي يحاولون تسويقه للعالم عن بلادهم، فذلك لم يعد يجدي، فكل الألاعيب أصبحت مكشوفة ومفضوحة، وليس من السهل طمس معالم الحقائق الجلية، لأنه لا يوجد وجه شبه بينها وبين مقاطع فيديو وصور فيديريكا موغيريني مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وهي تتلقى التهنئة من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أثناء توقيع الاتفاق النووي الذي تم التغيير في الكثير من جوانبه قبل عرضه على المجتمع الإسلامي المحافظ.
وهي العادة التي تحرص وسائل الإعلام الإيرانية على عدم التخلي عنها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بصور النساء التي قد تبدو بالنسبة إلى أصحاب القرار غير محتشمة.
ولكن الوضع هنا مختلف، والشهادات الحية والمتعددة للنساء المضطهدات في إيران لا يمكن تزويرها أو التدخل لتغييرها، لقد كسرت الصمت وأماطت اللثام عن واقع المجتمع الإيراني الذي يموج بالأعطاب، وتشوهت الصورة التي برع القادة الفرس في تزويقها للعالم.
ويبدو أنهم مازالوا عاقدين العزمَ على استنساخ صور أسوأ لانتهاكات حقوق الإنسان شبيهة بتلك التي حدثت في عام 2009، والتي خُيل للكثيرين أنها ستنتهي مع انتخاب الرئيس حسن روحاني والقطع مع ماضي محمود أحمدي نجاد الأسود الذي يعيد إلى الأذهان مشاهد الشنق في الأماكن العامة، والتنكيل بمجموعات حقوق الإنسان، وخاصة منها حركة حقوق المرأة.
الزمن تغير، ولكن خامنئي وأتباعه لا يريدون مجاراة نسقه، ويرفضون التخلي عن نهجهم القمعي الإقصائي ضد النساء، ولا يحاولون تغيير ما بأنفسهم إكراماً لعادات بليت وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب.
وما زالت المرأة الإيرانية إلى اليوم ضحية تمييز واسع النطاق وممنهج في القانون وفي الواقع الفعلي، وقوانين الأحوال الشخصية ثابتة، بل وإن تحورت بعض جزئياتها فإنما لتمنح المرأة مزيداً من التبعية للرجل في العديد من مسائل حياتها الشخصية والمصيرية، وترفع مرتبة الاحترام والتبجيل للذكور مهما كثرت انتهاكاتهم واضطهاداتهم للنساء.
ولعل مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي والذي حوكمت بموجبه الناشطة الإيرانية آتينا فرقداني بالسجن 12 عاماً، يمثل غيضاً من فيضِ ما تعانيه الإيرانيات من قمع وإقصاء وتهميش في مجتمع الرجال المنغلق.
ولا يمكن أن تكون القصة التي روتها فرقداني حول التعذيب الذي تعرضت له والسجينات خلف قضبان سجن إيفين الرهيب بطهران، سوى مشهد مصغر من تلاوين العذابات الأخرى المخفية التي تتعرض لها النساء في هذا البلد الذي يتستر رجالاته بعباءات التدين ويرفعون الشعارات الرنانة للإسلام وتعاليمه.
ولئن امتلكت فرقداني الجرأة على كشف جزء من الحقيقة المرة في رسوماتها الكاريكاتيرية التي سخرت فيها من جهود البرلمان الرامية إلى إقرار مشروع قانون يجرم التعقيم الطوعي ويفرض قيوداً على الحصول على وسائل منع الحمل والاستفادة من خدمات تنظيم الأسرة، فإن هناك ربما الآلاف من النساء يعشن في صمت محناً لا تدمي القلوب فحسب، وإنما تدعو خامنئي ورجالاته إلى الشعور بالمهانة والعار، فأين حمرتك أيها الخجل؟

* نقلاً عن صحيفة «العرب» اللندنية