«الدولة لا تمر إلا بحالة واحدة، إما ضعف فتنهار، وإما قوة فتبقى وتسود»، لتكون لك سيادة وحساب أمام العدو، يجب أن تكون لك قوة عسكرية هائلة، ذات كفاءة عالية برية وبحرية وجوية متكاملة، وها هي الدول الخليجية تحصد ثمار عقود قامت فيها بإعداد وتجهيز جيوشها لمثل هذه الظروف، ومنها البحرين التي قد أبلى جيشها بلاء فوق الحسن في «عاصفة الحزم»، وها هو الشعب البحريني اليوم فخور، عندما يرى طائرات بلاده تدك معاقل الأعداء ويرى سلاح مدفعيته يصوب تصويباً دقيقاً متقناً، إنها ثمار سنوات من الجهد والكفاح والإعداد حرصت عليه الدولة في بناء قوة دفاع البحرين، الذي أثبت جيشها جدارته وكفاءته في هذه الحرب، إنها حرب فعلية وواقعية وصعبة، يخوضها الجيش البحريني في اليمن، حرب قد لا تكون الأخيرة، فالقادم لا ندري ماذا سيكون فيه، وإن كانت العلامات لا تدل على أنه ستكون استراحة للجيوش الخليجية بعد الآن، لأن المخطط الاستعماري الجديد تقوده الدول التي تحتل جيوشها المراكز الأولى.
الإنفاق العسكري لم يتوقف عند حد الدول الغنية، بل حتى الدول الفقيرة، ومنها المكسيك، التي بلغ فيها حسب الإحصائيات الأخيرة 55 مليون فقير، في الوقت الذي يحتل جيشها المرتبة الـ 21 في تصنيف الجيوش الأقوى عالمياً، وكذلك هي الدول الإفريقية، ومنها أثيوبيا التي يحتل جيشها المرتبة الـ 40 وشعبها يعيش على المنح الدولية، هذا الجيش الذي تحول من فرق عصابات إلى أقوى الجيوش الإفريقية، وحسب الإحصائية في 2011، بلغت قوات الدفاع الوطنية الأثيوبية نحو 200 ألف جندي.
إذاً، لقد حانت الساعة إلى رفع أعداد الجيوش في الخليج بأضعاف، بعدما تغيرت الحسابات، فأعداد الجيوش كانت مناسبة في ذلك الحين، ولكن هذا الحين تغير، واختلف اختلافاً كبيراً وسريعاً، بعد أن حانت الظروف غير الطيبة، وظهرت النوايا السيئة، فعدو يترقب من الخارج، وعدو يحارب من الداخل، وما حصل في اليمن أكبر مثال، فها هو التحالف العربي يحارب عدواً داخلياً لليمن، لا يختلف عن مثله في البحرين والسعودية والكويت والدول التي لم يعلن العدو الداخلي ظهوره في بعضها، لأنه لم يحن موعده، فالحسابات لدى العدو مبرمجة.
إذاً، فمضاعفة الإنفاق العسكري لتقوية الجيوش ضرورة ملحة وأولوية، ولا يمكن أن يربط الإنفاق العسكري بالوضع الاقتصادي في البلاد، وهذه الأمثلة أمامنا لدول تعيش على المنح صارت جيوشها تحتل مراتب متقدمة، وذلك عندما علموا أن استقلالهم وسيادتهم وقوتهم تحسب بقوة جيوشهم وكفاءتها، ولذلك تسابقت بعض الدول على امتلاك السلاح النووي واستطاعت بامتلاكها لهذه القوة أن تجعل لها حساباً أمام أي دولة مهما بلغت قوتها العسكرية، وإن احتلت المرتبة الأولى عسكرياً، لأنها تدرك أن لهذه الدولة سلاحاً رادعاً.
بالتأكيد الحديث عن امتلاك سلاح نووي هو بعيد في الوقت الحاضر، ولكن يمكن بالمقابل التعويض عن هذا السلاح وخاصة في الحروب، ربما قد تكون متسارعة في محيط دول الخليج، بمضاعفة أعداد القوة المادية والتي حث عليها الإسلام، وهي القوة والرباط، القوة من حشد الجيوش، وإعدادهم وتجهيزهم بآلات الحرب ووسائل القتال وتطوير السلاح الجوي والبري والبحري، خاصة في دول الخليج، التي تحيط بها البحار، وأما الرباط وهو تحصين الدولة من الداخل وحماية حدودها وثغورها التي يمكن أن يتغلغل منها العدو.
ونعود إلى الإنفاق العسكري، ونذكر هنا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم، وحرص الخلفاء الراشدين من بعده، على تجهيز الجيوش، عندما تكون الحاجة ملحة، ونذكر هنا إنفاق سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في تجهيز جيش العُسْرة، فعندما خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فحث على جيش العُسْرة، قال عثمان «علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها»، ثم نزل عليه الصلاة والسلام مرقاة من المنبر وحث: ثم قال عثمان: «علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها»، ثم حرك الرسول صلى الله عليه وسلم بيده.. أي كالمتعجب: «ما ضر عثمان بعد هذا»، وقيل إنه التزم بثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، إنه مثال يجب الاحتذاء به وتطبيقه، إذا ما دعت الظروف.
إذاً، الظرف ملح بأن يتوجه الإنفاق والدعم المادي إلى الجيش، وألا يربط بأي حالة اقتصادية تمر بها البلاد، فالحالة الاقتصادية تمرض وتصحو، ولكن بقاء الدولة لا يمر إلا بحالة واحدة، إما ضعف فتنهار، وإما قوة فتبقى وتسود.