تحت ذريعة حرية الكلمة، وفي ظل انعدام ثقافة حرية الرأي في المجتمع، يكون من الصعب جداً التوفيق بين الحرية واستلاب خصوصيات المجتمع والأفراد، حيث هنالك شعرة دقيقة جداً بينهما، ولا يراها سوى المختص في شؤون «الميلتيميديا»، والعارف بدهاليز مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، وكذلك رجل القانون، ولهذا كان لابد من تقديم مشاريع قانونية تنظم الحريات الإعلامية كلها، سواء كانت صحفاً أو مواقع اجتماعية وإلكترونية، فمن دون وجود تشريعات في هذا الخصوص، فإن الحريات سوف تكبل، أو أن تنقلب الحريات إلى سلوك هابط يضر بالوطن.إن ضعف التشريعات الخاصة بتقنين دور الإعلام الأهلي، هي ذاتها المشكلة المتعلقة بقوانين حقوق الملكية الفردية والفكرية التي لم ترَ النور، فالدول العربية غير قادرة حتى الآن على إدارة هذه الملفات الحساسة جداً، ولهذا نجدها حائرة بين أمرين، إمَّا أن تترك الحبل على الغارب للسبابين والشتامين ليصيغوا وعي الناس عبر أدوات إعلامية حديثة لكن بطرق رخيصة ومؤذية، أو تضطر أن تكبَّل الإعلام وتخرس الألسن في محاولة منها لمنع كل أشكال الفوضى المجتمعية، وبهذا ستكون الدول العربية متورطة بين غياب التشريع في هذا الخصوص وبين مصادرة الحريات.لا شيء يضبط إيقاع هذه الحريات سوى وجود قانون يحمي صاحب الكلمة ويحمي بدرجة أكبر ما نسميه اليوم «بالمتلقي»، فلا يعقل أن تقمع الكلمة لمجرد كونها كلمة، أو أن يترك السبابون يصولون ويجولون في مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن تكون هنالك عقوبات تحمي المعتدَى عليه، فأمن الناس وحفظ خصوصياتهم أهم وأشرف بكثير من الحرية «الغلط».لعل من أخطر ما ينتجهُ غياب التشريعات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، تلكم الحسابات التي تمارس قمع الآخر وتسقيطه بحجة حرية التعبير، حيث إنها تعبث في تشكيل الرأي العام، وربما تحرض المجتمعات والأفراد على الكراهية والتقاتل، فتشكيل رأي عام بطريقة خاطئة، يعني أننا ننتج مجتمعاً يشتم ولا يفكر، ويستقبل ولا ينقد، ويصادر حرية الآخرين ولا يعطيهم حرياتهم في المقابل، ولهذا فإن خطورة غياب التشريع المقنِّن لحركة حرية التعبير وتلقيه، يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية في وقتنا الراهن.غَلَبة الشتامين والسبابين والمشوِّهين للحقائق على مواقع التواصل الاجتماعي، جعل الحكومات العربية تخشى تفشي ظاهرة غياب الأمن الاجتماعي لما تخلفه تلكم المواقع من فتن وحروب طاحنة، فقامت بملاحقة ومعاقبة كل من يقوم بالتعبير، حتى وقع الجميع في خطأ غياب التشريع الحامي للجميع، كما شكل هذا الفراغ التشريعي فرصة سانحة لغالبية الناس في أن يقوموا بعرض منتجاتهم الثقافية المهجَّنة والمشوشة والمهزوزة عبر أسماء مستعارة، مما عقد المهمة على الحكومات العربية، ولهذا لن يكون هنالك مخرج لجميع الأطراف فيما يخص حرية التعبير، إلا بوجود قانون رصين يحمي الكلمة ويحمي أمن الناس قبل كل شيء، ومن دون هذا القانون، فإننا سنضطر للعيش في غابة تسمى «الميلتميديا».
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90