من المفارقات غير المستساغة على الصعيدين السياسي والأخلاقي، القول إن النظام في سوريا هو نظام مقاوم وممانع، ولأنه كذلك فإنه لا يجوز الثورة عليه أو حتى نقده، «هذا تقريباً هو خطاب حزب الله وإيران وبعض الأحزاب والجماعات القومية وأجهزة الإعلام التابعة لهذا المنطق»، ولكن السؤال الذي يواجه مثل هذه اللغة، هو: كيف يمكن الجمع بين المقاومة والممانعة، من ناحية، وبين قمع الشعب بهذه الصورة غير المسبوقة التي تتجاوز حدود الاحتمال، من ناحية ثانية؟؟!! إننا في حقيقة الأمر أمام وضع ملتبس، يقتضي منا كعرب التمييز بين 3 مستويات من هذه الأزمة المتصاعدة: الأول: أن النظام في سوريا ظالم وقمعي، فقد الرشاد في قدرته على التعامل مع حركة الاحتجاج الشعبية، عندما اختار المعالجة الأمنية لمواجهة حالة الرفض المتصاعدة، وتأخر كثيراً في إيجاد معالجة سياسية مناسبة، وجاذبة للقوى المعارضة له، ومستجيبة للتطلعات المشروعة للشعب السوري، في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الوطنية، ولأنه مثل العديد من الأنظمة العربية لايزال يعيش في أوهام الماضي، فإنه لم يدرك أن التغيير قادم لا محالة، إلا أنه وبالنظر إلى حجم الجرائم وتواصل القتل اليومي، فإنه من الطبيعي ومن الضروري أن يساند العرب والعالم الاتجاه إلى التغيير عبر حوار وطني داخلي بمعاونة عربية ودولية، ومن الطبيعي أن يدين العرب والعالم هذه الوحشية غير المسبوقة وهذا العنف اللاإنساني. الثاني: أن الحرص على حل الأزمة السورية ودعم الشعب السوري بالعمل على المساعدة على إيجاد حل يحقن الدماء ويوقف جرائم القتل اليومي، لا يجب أن يقود في جميع الأحوال إلى القبول بالتدخل الأجنبي مهما كانت مبرراته، مثلما يجب أن يكون هذا الرفض للتدخل مرفوضاً في أي مكان في العالم رفضاً مبدئياً ضد محاولة تغيير النظام بالقوة العسكرية مثلما حدث في العراق ومن بعده في ليبيا، لأننا إذا ما قبلنا ذلك في سوريا أيضاً نكون كمن يفتح أبواب صراعاتنا الداخلية للتدويل الذي لا يمكن في جميع الأحوال أن يكون في صالح استقرارنا أو استقلال قرارنا أو حريتنا أو حتى وجودنا كمجموعة بشرية. الثالث: ضرورة الوقوف في مواجهة مخططات تقسيم سوريا وهي المخططات التي تقودها قوى أجنبية «رغم ادعاء غير ذلك»، من خلال إرادة غير معلنة بالعودة بالدولة السورية إلى الماضي، إلى بداية القرن العشرين عندما كانت «أربع دول أو خمس»، ونفس الخطر يتهدد ليبيا اليوم التي نهضت فيها الحروب القبلية وتصاعدت النزعات الإقليمية المنادية بالتقسيم، والخطر هنا التحول، كل الثورات التي شهدها التاريخ القديم والحديث تستهدف الإطاحة بالأنظمة القائمة، واستبداله بنظام آخر مع المحافظة على وحدة البلد الجغرافية، غير أن الحركات الاحتجاجية الحالية لا يبدو أنها تكتفي بمناصبة العداء للنظام الحاكم فقط، وإنما تستهدف الوحدة الجغرافية للبلد في بعض الأحيان. إن الثوريين الجدد لا يحملون السلاح من أجل إسقاط النظام فقط، بل اتضح في بعض الأحيان أنهم يفعلون ذلك من أجل سلخ مناطقهم عن الحكم المركزي «وقد رأينا ذلك في ليبيا، حيث احتمى المختصمون بقبائلهم ودعا بعضهم إلى الانفصال عن الدولة المركزية صراحة»، لذلك فإن الذين ينكرون نظرية المؤامرة على الوطن العربي، ومخاطر التدخل الأجنبي نحيلهم إلى الطائرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإيطالية التي دكت آلاف الليبيين في بيوتهم ومراكز عملهم وهم أحياء لرسم الخريطة الجديدة لليبيا أو العودة بها إلى زمن التقسيم القديم، لتتحول إلى ممالك في حجم ورقة اليانصيب. .. وللحديث صلة
970x90
{{ article.article_title }}
970x90