قال الأديب الفرنسي فيكتور هوجو «من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن»، في دلالة على دور المدرسة في الحد من انتشار الجريمة في المجتمعات.
في خبر طالعتنا به وكالات الأنباء، يفيد بأن السويد أغلقت خمسة سجون بسبب تناقص أعداد المساجين، بسبب انتفاء الحاجة إلى تلك السجون!
وأكد المسؤولون بالسويد، أن النظام التعليمي يلعب دوراً محورياً في الحد من انتشار الجريمة، ويعد أهم الوسائل الفعالة في نشر واستتباب الأمن.
وفي مملكة البحرين، تنتشر المدارس في كل شبر من أراضي المملكة، وتهتم الدولة بالتعليم وتطويره، وترصد له من الميزانيات الضخمة، ما لا يرصد لباقي الخدمات، لإيمان الدولة بأهمية التعليم، كما إن دستور المملكة كفل مجانية التعليم للجميع، لكن ماذا عن جودة التعليم في مملكة البحرين؟ وهل تلعب مدارس البحرين دورها الأصيل في الحد من انتشار الجرائم عبر تثقيف الطلبة والتأثير على سلوكياتهم وتصرفاتهم؟
اليوم تثبت جميع الدراسات والبحوث أن انتشار التعليم وتحسن جودته يؤدي بالضرورة إلى خفض كبير في معدل الجريمة، فهل أدى العدد الكبير لمدارسنا إلى تقليص عدد السجون والمساجين؟!
أعتقد أن هناك خللاً في المنظومة التعليمية، هي التي أدت إلى عدم فعاليتها في التأثير على الطلاب في هذا الجانب. لا أحد يستطيع إنكار الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم في جميع الجوانب التعليمية، ولكني أعتقد أن هناك خللاً كبيراً يجب أن يتم مراجعته، كما إنه يجب أن تكون هناك استراتيجية تعليمية وتربوية واضحة للوزارة، تعنى في جانب التثقيف والتوعية وتشكيل الشخصية والفكر للطالب، لكي يكون مواطناً فاعلاً في المجتمع. المدرسة ليست منوطة بتعليم الطالب مهارة القراءة والكتابة فقط، بل هي مؤسسة تعليمية وتربوية من أهم مهامها خلق جيل واعٍ ومثقف.
وقد تحدث الكثير من كتاب الرأي عن انحدار المستوى التعليمي في مملكة البحرين، وقد لا يكون بالضرورة أن يكون هذا انحداراً في مستوى المواد العلمية المقدمة للطالب. لكن ما أستطيع أن أجزم به أن المواطن البحريني أصبح مجبراً على التعليم الخاص رغم «أسعاره المرتفعة جداً» على التعليم الحكومي المجاني، وإذا رجعنا للأسباب سنجدها كثيرة وسأختصرها هنا في نقطتين: أولاً: أن مستوى التعليم الحكومي المجاني لا يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وخصوصاً فيما يتعلق باللغة الإنجليزية والعلوم والرياضيات.
ثانياً: أن بيئة المدرسة غير مناسبة لخلق شخصيات قيادية، تتلاءم مع سوق العمل، حيث تفتقد بيئة التعليم الحكومي إلى التركيز على المهارات الفردية للطلبة والاهتمام بها، ناهيك عن الأنشطة التي من شأنها صقل شخصيات الطلاب، مثل المساجلات والمناظرات، وغيرها من الأمور، ولكي لا أعمم هناك بعض الجهود الفردية لدى بعض إدارات المدارس.
بالطبع سيرفض كلامي المسؤولون والقائمون على العملية التعليمية، ولكنني سأكتفي بالقول «لو كان المسؤولون العاملون في السلك التعليمي يؤمنون بجودة التعليم لما شاهدنا أبناءهم يجاورون أبناءنا في مقاعد الدراسة في المدارس الخاصة! فمدير المدرسة في اليابان يأكل قبل الطلبة بنصف ساعة «من مطبخ المدرسة» للتأكد من أن الأكل سليم ولن يمرضهم!
عن نفسي، حينما يتم تطوير المنظومة التعليمية الحكومية، سألحق أبنائي بها، دون أدنى شك، ولأنني وآلاف مثلي «مضطرون» لإلحاق أبنائهم بمدارس خاصة من باب «الاستثمار في الحصول على تعليم أفضل لهم يؤهلهم لدخول سوق العمل في المستقبل»، «ومضطرون» لتحمل الأسعار الخيالية التي تزداد كل عام، فنتمنى فعلاً أن يواكب تعليمنا الحكومي المجاني التعليم الخاص، وأن تهتم الوزارة بتطوير مناهجها التعليمية وتطوير مهارات المعلمين وتطوير بيئة المدارس، وأن تلعب المدارس دورها الحقيقي في المجتمع، وأن تضع استراتيجيتها جنباً إلى جنب مع باقي الوزارات والمؤسسات، لكي تتحقق الاستراتيجية الوطنية، ونخرج مواطناً مثقفاً يعي حقوقه وواجباته، وبالتالي نحصل على خريج ليس متفوقاً علمياً وحسب، بل متفوقاً في المهارات التي يحتاجها سوق العمل.