تاريخ الحادي عشر من سبتمبر لهذا العام تاريخ سيحفر في ذاكرة المسلمين، وهو يوم اختلط فيه الحزن والأمل معاً، تاريخ جمع النقيضين بين جنباته. حيث لعبت الأقدار في رسم حادثة مأساوية نتيجة سقوط رافعة، ذهب ضحيتها 107 من الشهداء ارتفعوا مضجرين بدمائهم الزكية في صحن الطواف الشريف، وطارت أرواحهم مرفرفة من بيت الله العتيق في الأرض، إلى رب البيت المعمور في السماء. ولقد أثبتت التحقيقات أنه لا يوجد أي شبهة جنائية أو إرهابية في الحادث، وما حصل يعد من الكوارث الطبيعية وقضاء الله وقدره، والتي تتعرض لها الكثير من الدول.
فانهيار الرافعة العملاقة التي تبلغ من الارتفاع 200 متر، وهي من أضخم الرافعات في العالم، ومنشأها هي ألمانيا، ومن أرقى المصانع العالمية، وقد تم نصبها لأعمال توسعة الحرم الشريف، وكان سبب انهيارها هو الرياح الشديدة والبرق الذي ضرب بقوة جبال وسفوح مكة المكرمة، في الساعة الخامسة من عصر يوم الجمعة 11 سبتمبر 2015، وحسب التقارير الفنية فإن مجموعة شركات «بن لادن» تتحمل المسؤولية الفنية والقانونية لعدم مراعاتها تعليمات السلامة المهنية في التشغيل وحسابات الاهتزازات وقوة الرياح، مما أدى إلى فقدانها اتزانها، وسقوطها المدوي في صحن المطاف، هذا كل ما حدث من الناحية الفنية.
أما من الناحية الإنسانية، فإن ذلك الحدث هو قدر عظيم، كشف معادن الرجال متمثلة بالموقف العظيم الذي قام به رجال المملكة العربية السعودية، يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أطال الله في عمره، بتواجده وكل أركان الدولة في أرض الحدث فور وقوعه.
وإن ما خفف من أحزان الأمة وأدخل العزة فيها والأمل وأسرع في التئام جرحها، هو التصرف الحكيم من حكيم هذا العصر، رعاه الله، وإشرافه المباشر واحتواؤه لتداعيات الحدث، وطوافه على الجرحى، على مدار الساعة، ومعاملته للجميع كالأب الذي يعامل فلذات أكباده، وسطر أروع معاني الإنسانية والإسلام العظيم، وعاد بذاكرتنا إلى عهد الخلافة الراشدة. شاهده الجميع، منحنياً عند رأس كل جريح، وبابتسامته المعهودة، التي خففت من آلام الجرحى، ومسحة كفه الحانية على رؤوسهم، دون تمييز بين مذاهبهم وقومياتهم وألوانهم، وتلك والله هي أخلاق ورثة الأنبياء والصالحين!!
ولقد كان لزيارته للحاجة الإيرانية في مشفاها بالغ الأثر في نفوس الشعب الإيراني، الذي غرد عشرات الآلاف منهم إعجاباً بهذه الأخلاق، التي عز مثلها والتي افتقدوها حتى عند ولاة أمورهم، بل كادت أن تصبح من قصص الخيال، في أي بقعة من المعمورة، ولم يغفل جلالته عن إصدار قرارات هامة كان لها الأثر الطيب في نفوس ذوي الشهداء والجرحى بتعويضهم الفوري وأجزل لهم العطاء. ونحن نسمع ونرى يومياً العشرات من الضحايا يسقطون غدراً دون أن يلتفت إليهم أحد من حكامهم، بل أهينت الإنسانية ببعض الحكام، الذين يتعمدون يومياً إسقاط عشرات الأطنان من البراميل المتفجرة فوق رؤوس شعوبهم المنكوبة بحكمهم، وبسقوط هذه الرافعة أراد الله أن يرفع بها أقواماً قبضهم إليه وأقواماً قربهم إليه.
وعلى النقيض من ذلك، فكلما مرت بنا ذكرى 11 سبتمبر 2001، والتي هوت ببرجي التجارة العالمية، وهوت معها أخلاق بعض ساسة الغرب إلى الحضيض وكلما حاول الغرب تسويق سيناريوهات لإيهام وتضليل المجتمع العالمي عن المسبب لتلك النكبة، وإلصاق التهمة بالعالم الإسلامي، لكن تبقى البوصلة وأصابع الاتهام متجهة إليهم ولا تغادرهم، ورائحة الخيانة مازالت تفوح من أقبيتهم، وهي نقطة فاصلة سوداء في العصر الحديث، ونقطة انطلاق في تهديد الأمن والسلم العالميين، وما تبعهما من اجتياح لدول آمنة وإذلال لشعوب مستقرة، فشتان مابين الحدثين اللذين وقعا تقديراً في يوم واحد فالرافعة اجتبى الله بها أرواحاً زكية، ورفعهم بها مكاناً عليا، ومحص الله بها عباده، وزاد من قدر ورفعة خادم الحرمين الشريفين وبطانته ومكانتهم، حينما استخدمهم في طاعته، وقد صب عليهم السكينة والثبات صباً، وقذف في قلوبهم الرحمة، وما كان ذلك إلا بتقدير من رب البشر.
أما الثانية، فقد هوت بأخلاق من يدعون الديمقراطية، ويتشدقون زوراً بالدفاع عن حقوق الإنسان، وقد كشفت عوراتهم، وما وقعت إلا بتدبير من أشرار البشر، وهي بسوء مكرهم كانت أول السلم لسقوط حضارتهم الزائفة. حفظ الله لأمتنا من أعاد لها هيبتها وعزها، وهكذا هي سنة الله في خلقه، فمع المحن والعسر، تأتي المنح واليسر. رحم الله ضيوف الرحمن، وعجل بشفاء جرحاهم. ولبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}