ستتخذ الحكومة عدة إجراءات لم يعلن عنها بعد إنما تم التلميح لها لمواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية المستقبلية، هذا الظرف يذكرنا بالإعلان عن حزمة الإجراءات التي كانت ستتخذ عام 2005 والمتعلقة بطموحات الإصلاحات الاقتصادية والتي لن نتمكن أن نحكم عليها بتجرد لأنها هي أصلاً جردت من فحواها، وبعض منها انحرف عن أهدافه حين واجهت العديد من العقبات في طريقها، ومن يريد أن يحكم عليها من خلال ما تم تطبيقه إلى الآن.. يظلمها.
سلامة النية وسلامة الهدف وصحة القرار جميعها لن تكون كافية للوصول له وتحقيقه تلك قاعدة بديهية، لنتذكر كيف اصطدمت حزمة شعارات الإصلاحات الاقتصادية الجيدة بعقبات كثيرة حين جاء وقت التطبيق، عقبات لا يجب أن نظن أنها بسبب تعدد مصادر «القرار» فحسب، حتى نظن أننا إن وحدنا مصادر القرار استطعنا أن ننفذه ونطبقه، حتى لا نعتقد أننا سننجح حين نوحد مصادر صناعة القرار وستنتهي مشاكلنا، رغم أن توحيد مصدر القرار عامل وعنصر هام جداً من عناصر تحقيقه وتنفيذه وتطبيقه إلا أنه ليس كافياً.
مشكلة البحرين أن نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي نظام عريق وقديم وعميق؛ بمعنى أن أي تغيير في ضلع من هذه الأضلع الثلاثة سيصطدم بشبكة كبيرة من المصالح المتشعبة قائمة على هذا النظام القديم ستعرقله وتحول بينه وبين تطبيقه.
الأمر ليس كدولة شقيقة حديثة العهد بالتكوين مصدر قرارها واحد ويملك هذا المصدر بقية الخيوط في يده يملك السلطات الثلاث ويملك الشبكة الاجتماعية البسيطة التي ترتبط مصالحها التجارية والمالية به شخصياً، هنا الأمر مختلف.
هنا لدينا مصالح في البنية والنسيج الاجتماعي على سبيل المثال، جعلت من القائمين على دور كدور العبادة على سبيل المثال مرة أخرى شريك في صناعة القرار يملك تعطيل أو تمرير أي من القرارات التي تمس حياة الإنسان، وأي قرارات تسحب أو تضعف أو تقلل من تلك الامتيازات تلك «الدور» ومن القائمين عليها وموقعهم أو مكانتهم أو تجردهم من مصالحهم كانت ستواجه بالصد والتمنع ومحاولة العرقلة.
ثم تمتد تلك الشبكات إلى جهاز بيروقراطي كبير وعميق ومتشعب وضخم وممتد داخل الوزارات والهيئات ويحمل على كاهله أكثر من 30 ألف موظف أي 30 ألف أسرة فإذا أضفنا لهم المنتمين إلى المؤسسات العسكرية فأنت تتحدث عن أكثر من نصف المجتمع البحريني، أسر مرتبطة مداخيلها بوظائفها ولا مصدر آخر لها، وأي تهديد لهذه الوظائف هو تهديد لدخلها الوحيد.
ثم تمتد شبكة المصالح التي هددتها تلك الحزمة الاقتصادية إلى الشارع التجاري ومصالحه التي بنيت في الخمسين سنة الماضية على نظام ريعي حصر مهمة التاجر في أن يكون إما كفيلاً أو وكيلاً فقط، وأي تغيير في هذا النظام سيهدد نظام حياتها ونوعيته وربما يقلل أو يسحب امتيازاته.
اصطدمت حزمة الإصلاحات التعليمية والتدريبية في موقع آخر بألف عقبة وعقبة بسبب نظام تعليمي يضم مدرساً ومنهجاً بني على أسس قديمة كشفت مستواها الامتحانات الوطنية حين عممت، ورغم علمنا بخطورة وضعنا وحتمية تغييره إلا أننا واجهنا نظاماً قاوم حزمة الإجراءات التي كانت ستغير من النظام التعليمي الذي استقرت عليه مدارسنا بشراسة ونجحت هذه المقاومة في أن يحصر التغيير في عدة أمور بعيدة عن المراد الأصلي فجردت حزمة الإجراءات الجديدة من قوتها وأسفرت عن هيئة رقابية تصدر (توصيات) فقط وكليات نوعية تم إعادتها إلى حصن الخدمة المدنية مرة أخرى من بعد استقلاليتها.
العجز في خلق الشراكة الشعبية المطلوبة مع السلطة التشريعية والإعلام والمجالس والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ترك تلك الحزمة من الإجراءات في مواجهة جيش كبير شرس في عدائه مقاوم للتغيير، جيش من الخصوم والمحاربين تجده في تلك النخب أي في رأس القمة الشعبية -إن صح التعبير- ويمتد إلى موظفي «كونتر الاستقبال» في أي مؤسسة رسمية أو خاصة، أنت تتحدث عن مجتمع بالغ التعقيد ترتبط مصالحه بنظام سياسي واقتصادي واجتماعي وجاءت الحزمة لتغير ذلك النظام وتهدد تلك المصالح.
تحديات تطبيق قرارات اقتصادية تمس تقليص النفقات كالتي نسعى لها اليوم أكبر وأعقد بكثير من تحديات مشروع الإصلاح الاقتصادي، فإذا واجهت حزمة الإصلاح الاقتصادي جميع تلك العقبات وهي التي تحمل وعوداً مشرقة وبراقة وواعدة بتحسين مستوى دخل الفرد وزيادته ثلاث مرات، فما بالك وأنت الآن تحمل حزمة إجراءات تدعو لشد الحزام و تقليص الإنفاق؟!!
تحديات جديدة ستواجهها الحكومة الجديدة ومازالت تحمل على كاهلها ثقل مواجهة كل تلك التعقيدات والعقبات، الحزمة القديمة التي مازالت قائمة وفعالة، فكان الله في عونها ونتمنى لها النجاح.