تابعنا جميعاً بيان مجلس حقوق الإنسان الذي صدر مؤخراً، وما حملت طياته من تناقضات ومفارقات وخلافاً للواقع والمنطق.
في حقيقة الأمر، لم تكن تلك التناقضات أمراً غريباً أو خفياً على أحد، خاصة إذا ما علمنا أن أغلب قرارات المجلس تصدر بناء على ضغوط من الدول المتنفذة فيه وبما يخدم مصالحها وأجنداتها.
البيان لم يلبِ طموحاتنا ولم يرقَ إلى ما وصلت له البحرين من إنجازات في ملفها الحقوقي، بل تناسى الكثير ولم يتذكر إلا القليل.
ولكن بالرغم من ذلك كله، لا يمنع أن نقرأ البيان من منظور آخر يكون نقطة انطلاق أخرى أقوى من ذي قبل.
لست بصدد التعليق على مبررات الدول الموقعة بقدر أهمية ترجمة البيان إلى واقع أفضل يكشف لنا نقاط قوة تخدم تطلعاتنا للمرحلة القادمة.
يمكن القول إن البيان لم يكن منصفاً لنا، إلا أن مضمونه تحسن عن السابق ولو بشكل يسير كماً وكيفاً.
فبالمقارنة مع آخر ثلاث بيانات للمجلس تناولت شأن حقوق الإنسان في البحرين، نجد أن عدد الدول التي أدانت البحرين في جلسة سبتمبر 2013 هي 47 دولة، ثم 46 دولة في جلسة يونيو 2014، ليتناقص العدد إلى 33 دولة في الجلسة الحالية، أي أن 13 دولة منها كندا وإيطاليا وإسبانيا عدلت عن موقفها الرسمي السابق وبدأت الحقائق تتضح لها بأن ما يحاك ضد البحرين ما هي إلا أكاذيب وافتراءات غير قائمة على غير أساس، الأمر الذي يعكس أن تحركات الدولة تسير في الاتجاه الصحيح وإن كانت بطيئة نوعاً ما. كما أيد البيان وعلى استحياء بعض الخطوات التي قامت بها الدولة في ما يتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان ووصفها بالإيجابية، من خلال إنشاء مؤسسات وهيئات حقوقية تمارس اختصاصاتها بكل حرية وشفافية واستقلالية تامة، كالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة للتظلمات والشكاوى، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين المختصة بمراقبة السجون ومراكز التوقيف ومراكز رعاية الأحداث والمحتجزين. إضافة إلى وحدة التحقيق الخاصة التي تتولى تحديد المسؤولية الجنائية ضد المسؤولين الحكوميين ممن تسبب في جرائم قتل أو تعذيب ونحوه.
وغني عن الذكر، فإن ما تم التطرق له من إشادة لجهود الدولة في المجال الحقوقي ما هو إلا غيض من فيض وموجود على أرض الواقع.
ومما يلفت النظر في معرض بيان الدول الـ«33» أنها استخدمت لفظ «تظاهرات» لوصف الأعمال الإرهابية، في تأكيد واضح أنها مازالت تعاني من الضبابية وعدم إدراكٍ لحقيقة الموقف، إما تناسياً منها أو تعمداً.
ختاماً، فإن عدول بعض دول مجلس حقوق الإنسان عن مواقفها الرسمية السابقة ضد البحرين، ينبئ بإمكانية تغيير موقف دول أخرى مازالت تنتظر كشف الغمة عنها، لتتيقن من خلاله الواقع الحقيقي لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، وأظن أن هذا الأمر لن يتحقق إلا عبر مضاعفة الجهود الرسمية مع السفارات والوفود المشاركة على المستويين الداخلي والخارجي. والله من وراء القصد.

* متخصص في الشؤون القانونية - ماجستير القانون العام