حينما نتحدث عن وجود 18 وزارة وقرابة 58 هيئة وقطاعاً في الدولة، فإننا نتحدث عن وجود كم كبير من المسؤولين متفاوتي الدرجات بين وزير، ووكيل، إضافة إلى وجود عدد من المستشارين.
استعراض هذا العدد وإقرانه بحجم البحرين كدولة ومواردها وعدد مواطنيها والمقيمين فيها يجرنا دائماً للتساؤل عما إذا كنا نحتاج هذا العدد، وهل تقليصه إلى النصف أو أقل لن يجعل الدولة تسير - أقلها - بنفس الوضع الذي تسير عليه اليوم؟!
هناك مقارنات قام بها البعض من المواطنين بشأن دول أجنبية وحجم القطاعات والمسؤولين فيها تعزز هذه التساؤلات، خاصة بالنسبة لدول غربية لديها أقل من نصف ما نملك من قطاعات، لكن لديها اقتصاداً قوياً وحركة استثمارية لا تتوقف.
بالتالي العملية ليست بالكثرة وليست بالعدد، بل بالفاعلية، إذ واضح تماماً أن من أسباب المشكلات لدينا هو ما يتعلق ويرتبط بزيادة عدد «كبار» المسؤولين، ما يعني كلفة عالية تدفعها الدولة من موازنتها تتمثل برواتب وبدلات وتقاعد وغيرها.
هذا من ناحية الالتزام المالي الذي تم تعديله مؤخراً بالنسبة للوزراء في عملية نراها تمضي في اتجاه صحيح، إذ كانت المعلومة المنتشرة لدينا في البحرين أن الوزير حينما يعين لو ظل في منصبه لمدة 24 ساعة ثم تم تغييره، فإنه يكون مستحقاً لنسبة 80? من راتبه كوزير!
هذه المعلومة التي كانت منتشرة ويتداولها الناس لدرجة أن بعضهم يتندر ويتمنى ويقول «لو يخلوني وزيراً ليوم واحد ويشيلوني»! طبعاً المسألة تم تعديلها وضبطها العام الماضي، بحيث تنظم العملية وتخضع لسنوات خدمة وغيرها من الضوابط والمعايير.
لكن بالحديث عن كثرة القطاعات والوزارات، والعدد الكبير المشار إليه في دولة صغيرة الحجم مثل البحرين، نجد أننا نواجه مشكلة أخرى تتمثل في استنساخ الأدوار بين قطاعات متشابهة في الهدف والمضمون، وإن اختلفت نوعاً ما الأدوار، لكن الحراك نفسه يتجه نحو مفهوم وهدف واحد.
مثلاً، لدينا وزارة للتربية والتعليم، ولدينا هيئة ضمان جودة التعليم، لدينا وزارة عمل، ولدينا هيئة تنظيم سوق العمل، لدينا مجلس تنمية اقتصادي، ولدينا وزارة تجارة واقتصاد ووزارة مالية، لدينا وزارة صحة، ولدينا هيئة مهن صحية، إلى غيرها من تشابه في المسميات وكثير من الأدوار في نفس التخصص.
هنا نجد العمل مقسوماً على جهتين، والاختلافات في سلم الرواتب وتبعية الموظفين سواء على هيكل خاص أو تابع لديوان الخدمة «قبل ضبط عملية التوظيفات الجديدة التي تتبع ديوان الخدمة»، كلها مسألة تبين أن علينا وقف هذه التشعبات ووضع «البيض المتشابه في سلة واحدة»، خاصة مع ما بات يطغى ويعرف ويتداول عن وجود تصادمات وعمل متضاد بين قطاعات متشابهة في الهدف والمضمون والمسعى، بدلاً من العمل في اتجاه واحد. مثال بسيط على ذلك، تقارير هيئة ضمان جودة التعليم وما تقوله، في حين بيانات الوزارة بشأن مستوى التعليم قد لا يتفق مضمونها مع ما تقوله الهيئة، بل يخيل لك وكأن هناك تصريحاً ينشر يقابله تصريح آخر بهدف الرد أو التوضيح!
عموماً، لسنا بصدد الخوض في التفاصيل، لكننا أمام واقع يقول إن هذا العدد الكبير من المسؤولين والقطاعات باتت لا تتحمله البحرين في ظل المشاكل المالية وهبوط النفط، وحتى على مستوى الأداء الفعال في القطاع الحكومي.
اليوم نحتاج بالفعل لجراحة ذكية، تقلص لدينا أعداد القطاعات والمسؤولين إلى رقم معقول مقبول يمكن الدولة من التحرك بأريحية وحرفية والأهم بواقعية مالية، وهو ما يستوجب حسن الاختيار من الكفاءات القادرة المتاحة أو الإبقاء على بعض الطاقات التي يمكنها العمل في أصعب الظروف، وتخرج بأفضل مخرجات تقارب مستوى التطلعات.