كل عام وأنتم بألف خير أحبتي، وجعل الله أعيادكم كلها مسرات وسعادة، وحفظ الله المسلمين وديارهم من كل سوء ومكروه، وألَّف الله بين القلوب والأرواح.
هذه دعوات صادقة عادة ما نختم بها حديثنا في كل عيد، لكننا قدمنا ذكرها هذه المرة بسبب ما يعتصر قلوبنا من حب ممزوج بألم الواقع بعد أكثر من أربعة أعوام تمر على المسلمين من انهيار في منظوماتهم السياسية والاقتصادية والثقافية، سواء ما يحدث لهم بفعل فاعل أو من تلقاء واقع ثقافتهم التي صارت من أبرز الموروثات المخجلة حين نقارنها مع بقية الثقافات والقيم الأخرى المتحضرة، وسواء كانت قيمنا الجديدة المُعدَّلة مجرد ألاعيب أو كانت عبارة عن مؤامرات أجنبية كبرى، فإن ضحيتها دائماً وأبداً هو إنساننا.
أربعة أعوام أو يزيد قليلاً ونحن العرب والمسلمون في دوامة الدم وتحت عجلات الفوضى المرعبة، ولا ندري هل مازالت تسير بنا العربة أم أننا مازلنا نسير خلفها؟ فالنتيجة واحدة، وهي أننا لسنا على ما يرام، وحين يطرق عيد الأضحى بابنا في كل عام، نبدأ في تحسس المناطق الآمنة من الأعياد الإسلامية علنا نجد قليلاً من الأمل في وحشة الظلام، لكننا نتأكد ألا شيء خلف ركام التاريخ وجبال مآسي الحاضر سوى هذا الألم الكبير.
نعم، ربما نحن ساهمنا في تشكيل هذه الدراما الحمراء، لكن ما نستطيع تأكيده هنا، أن الكثير من الخراب الحاصل في أوطاننا العربية، هو نتيجة التدخلات المباشرة وغير المباشرة في شؤوننا الداخلية، سواء كانت من طرف دوائر الاستخبارات الأجنبية أو من بعض دول المنطقة، وعليه فإننا نستطيع أن نلام في الأولى حين نتحدث عن مساهمتنا في تخلف أوطاننا، ولن نلام في المكائد والمؤامرات التي صنعت في الدول الكارهة للعرب.
ربما يجمعنا العيد السعيد، وبكل تأكيد يجمعنا الحج الأكبر، لكن لسنا على يقين أن قلوبنا باتت عفيفة وطاهرة بالقدر الذي نخاف فيه على بعض، ونحب أوطاننا بالقدر نفسه من الخوف والرجاء، ولهذا فإننا يجب ألا ننسى مقدار حساسيات الطوائف التي جالت وصالت في الأربعة الأعوام الأخيرة بشكل خاص، فشكلت وعينا الرخيص تحت أنظار الموروث الصلب والمؤامرات العالمية وتساهلنا في قبول كل مشروع يضرب أوطاننا.
لم يغب المتنبي عن واقعنا الصلف في كل مرة يذكرنا بعد كل عيد في شطره الخالد «بأيِّ حالٍ عدتَ يا عيدُ»، وكأنها أقدارنا التي تجمعنا بحسب الشاعر الكبير إبراهيم ناجي، فكل شيء في العيد يوحي بالحزن، فحين يضيع الإنسان والأوطان، فإن العيد لا طعم له ولا لون، بل يتماهى إلى دعوات روحانية للنجاة من حصار أنفسنا لأنفسنا ومن حصار الاستعمار الغربي والأعجمي لبقية دولنا وشعوبنا، ومع كل هذا الكم من الوجع، سنظل نقول لكل الحالمين من المسلمين «كل عام وأنتم بألف بخير».