طلبت من استقبال الفندق أن يجلبوا لي سيارة أجرة، إذ أردت الذهاب إلى متجر في بداية «الشانزليزيه»، ولم تمض دقائق حتى كنت جالساً في المقعد الخلفي. .. «بونجور» من السائق، فرددت عليه «بونجور»، بعد ثانيتين سألني «الأخ عربي؟»، فأجبته «نعم». سألني «من وين؟»، فقلت «من البحرين».وعلى الفور سألني إن كانت الأمور طيبة هناك. أجبته «الحمدلله الأمور بخير».. وسألته «أنت من وين؟»، فأجاب «لبنان».سأقف هنا وأوضح لك عزيزي القارئ معلومة بسيطة يعرفها كثيرون ممن يسافرون إلى أوروبا. إذ هناك تجدون مئات من الجاليات العربية، من المشرق والمغرب، بل تجدون مهاجرين من كل بلدان العالم، ولعلكم تعايشون اليوم حالة الهجرة المليونية للإخوة السوريين الذين بطش بهم إجرام الديكتاتور بشار الأسد. للعلم، فإن أغلب هؤلاء خرجوا من بلادهم مرغمين، إما بسبب غياب الأمن وانعدام الاستقرار، أو بسبب ضنك العيش وقلة فرصة الحياة، أو بسبب أنظمة ديكتاتورية لا تتوانى عن ذبح الشعب من أجل الكرسي. لم أزد على كلامي حرفاً، إلا أن السائق اللبناني بادر بنفسه بالقول «الله يلعن إيران»!سألته «لماذا؟»، أجابني مستغرباً «أنت تسأل وبلادكم كل المصائب السياسية فيها والاضطرابات سببها إيران، كما هو حال لبنان وغيره من الدول؟!».باغتني باستطراده «هل أنت منهم؟!».. سألته «من تقصد؟!». أجاب «من أولئك الذين يعيشون في البحرين ويوالون إيران ويعملون بأوامرها؟!».. لم أجبه لكنني سألته «إذاً فأنت تعرف حقيقة هؤلاء؟».. أجاب «يا خيي.. كل الناس تعرف أن الفوضى في البحرين سببها إيران ولأنكم في البحرين لديكم أناس ولاؤهم لطهران.. حتى في لبنان لدينا نفس الحال.. انظر لسوريا والدمار فيها.. انظر للفوضى في العالم العربي». أجبته «كلا، لست منهم، ولا يشرفني أن أكون ممن ولائه لغير بلاده.. لكنني ظننت أن كثيراً من اللبنانيين حتى في المهجر يحبون «حزب الله» وهو المدعوم صراحة من إيران».أجابني «حزب الله أكبر كذبة عاشها العرب، ادعوا أنهم حرروا جنوب لبنان، لكن الحقيقة أنهم احتلوا الجنوب وصنعوا دولة في دولة، ولبنان تمزقت داخلياً ولحزب الله دور كبير.. حزب لا يبرع إلا في ضرب العرب وقتلهم.. انظر لسوريا من يحارب هناك.. الإيرانيون و«حزب الله».. وماذا عن إسرائيل؟ أين هي من مقاومة «حزب الله»؟ كل هذا كذب، مثلما يكذب علينا الأمريكان، وتكذب علينا إيران، «حزب الله» هو حزب للشيطان ولاؤه للفارسي وليس للعربي». واصل كلامه «رغم الحرب الأهلية سابقاً، كانت لبنان جنة في بعض المراحل، أنتم الخليجيون كنتم لا تفارقونها، كنتم تستملكون فيها، أين هي لبنان اليوم؟ لو كانت بلادنا بخير أكنا سنهاجر؟ أكنت سأعمل سائق تاكسي في باريس وأنا أحمل شهادة في الهندسة المعمارية؟ أفسدت السياسة حياتنا، وأفسد التعصب الديني المذهبي كل شيء جميل.. لعنة الله على إيران». ودعته وترجلت، وقد أعاد حديثه إلى ذهني واقعة حصلت لي في الجامعة بلندن قبل ثلاثة أعوام، حينما كنا في محاضرة تناقش تقاطع السياسة والدين، حينما وقف إيراني يتفاخر بنظام بلده «الديمقراطي» حسب زعمه، وأنهم لديهم الانتخابات الحرة لاختيار الرئيس وصور لنا نظام خامنئي وكأنه أفضل أنظمة العالم. يومها اتضح لي كيف أن كثيرين يعرفون الحقيقة، إنجليز، أسبان، طليان، صينيين، حتى البروفيسور، ردوا عليه باستهزاء وتهكم مفندين ما قال، وختمتها أنا شخصياً حينما طلبت من البروفيسور الكلمة وتحدثت عن مطامع إيران في البحرين وتدخلاتها السافرة، وقلت للإيراني الذي فتح عينيه على الآخر حينما عرف أنني بحريني، قلت إنكم أصحاب أكبر نظام ديكتاتوري في العالم، الخميني قتل مئات الآلاف أغلبهم سنة وكثير من الشيعة الذين يعارضونه، قلت له «المهزلة» أنك في لندن وهي وحدها تضم مئات الآلاف من المهاجرين الإيرانيين الذين يشتمون في النظام الذي تمدحه لدرجة أنهم يضعون في محالهم علم نظام الشاه. وختمتها بأنه «قمة المهزلة» حينما تدعي أن رئيسكم منتخب بينما الدستور يمنح خامنئي كل صلاحيات الرئاسة بل الألوهية حتى، وولده «مجتبى» وصل لمرحلة خطف الرئيس «المنتخب» أحمدي نجاد وحبسه ست ساعات في قبو ليعنفه. الخلاصة، أن كارثة العرب اليوم تتمثل بهذا السرطان الذي اسمه «النظام الإيراني»، مئات الآلاف من المهجرين من دولهم بسبب إيران، وإيرانيون كثر خارج بلادهم بسبب الظلم، ورغم ذلك فإن المشروع الصفوي يحاول التوسع، ها هي العراق ولبنان وسوريا واليمن، والأطماع تتواصل للبحرين ودول الخليج. كل هذه الأمور تفرض علينا كعرب أمراً واحداً اليوم، الوحدة التي نرفعها كشعار منذ عقود، لابد لها من تفعيل سريع وحاسم.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90