ما لم ينتبه له ذلك البعض الذي لايزال مستمراً في ممارساته السالبة هو أن الكثيرين من المواطنين والمقيمين أصيبوا بالملل من تلك الممارسات، وضاقوا بها، خصوصاً وأنهم لم يجدوا لها أي مردود إيجابي، بل على العكس صارت سبباً في تعقيد معيشتهم، وعامل قلق يؤذيهم. حالة الملل هذه لم تقتصر على الجمهور ولكنها شملت المشاركين في تلك الممارسات أيضاً، بدليل اختفاء المسيرات والمظاهرات كبيرة العدد، حيث تظهر الصور التي يقومون بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات السوسة كيف أن المشاركين في تلك التي تسمى تجاوزاً «مظاهرات» قليلون ولا يملؤون حتى مساحة الصورة.
ما حدث هو أن من خرج في البدء للمطالبة بأمور مشروعة لا يختلف عليها اثنان انحرف عن الهدف وصار يطالب بأمور من شأنها أن تهدم كيان الدولة، وهو ما لا يمكن لأي حكومة أن تقبل به، لذا دخلوا في مواجهات مباشرة معها أدت إلى أن طالت المسألة وتعقدت فأنتجت حالة الملل هذه، وبعد قليل سينفض الكثيرون عن ذلك البعض «المستأسد» والذي حاول التغلب على ما صار فيه بطريقين، الأول الاستعانة بـ«صديق»، والثاني محاولة تشويه سمعة الوطن في الخارج، وهو ما يراه العالم اليوم يحدث في جنيف.
ما ينبغي أن يتأكد منه ذلك البعض هو أنه كما إن ذلك «الصديق» الذي استعان به لم يتمكن من فعل مفيد له ولن يتمكن، كذلك فإن جنيف لن توصله إلى نهاية مفرحة، فالعالم ليس بالغباء الذي يتوقعه ذلك البعض وليس أعمى، ولو كان ما يحاول نشره هناك وغير هناك عن البحرين صحيحاً لحصل على تأييد كل العالم وحقق كل أهدافه.
حتى أولئك الذين كانوا «يلعلعون» في فترة سابقة، ويطرحون أنفسهم كأبطال وكحقوقيين، خفت صوتهم، ولم يعد يسمعهم أحد، ولأن هذه الحال التي صاروا فيها ليست بسبب تغير أفكارهم وقناعاتهم ومواقفهم التي ظلوا يؤكدون عليها في كل مناسبة ومن غير مناسبة، لذا فإن السؤال عن خفوتهم صار مهماً وصار بالإمكان اعتباره سبباً في دخولهم حالة الملل نفسها التي دخلها الجمهور، وبعض ذلك الذي كان يخرج يومياً في مظاهرات ومسيرات وينفذ الاعتصامات تلو الاعتصامات.
كل ما قام بتنفيذه ذلك البعض في الداخل على مدى السنوات الأربع ونيف الماضيات لم ينجح، وكذلك لن ينجح ما يقوم به حالياً في جنيف وفي غير جنيف، وهو لن ينجح حتى مع زيادة دعم «الصديق» الذي استعان به واتخذه مثالاً ونموذجاً. الشيء الوحيد القابل للنجاح هو أن يترك كل هذه الأمور جانباً ويحفر لنفسه قناة للاتصال بالحكومة وحل المشكلة داخلياً بعد أن يتوقف تماماً عن تلك الممارسات التي مل الناس منها وأثرت على حياتهم سلباً وصاروا يقلقون على مستقبل عيالهم.
الأكيد أن مثل هذه الخطوة لا يستطيع ذلك البعض أن يخطوها لأنها شغل سياسة، وهو بعيد تماماً عن هذا الشغل ولا يستطيع أن يستوعبه، لذا فإن من عليه أن يقوم بهذا الأمر هو الجمعيات السياسية التي عليها أن تتوقف عن إصدار البيانات التي لا يرجى منها خير، وتبدأ العمل بوضع حد لتلك الممارسات الخائبة خصوصاً من أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج ولا يتأثرون بنار الداخل، وبالتواصل مع من بيده القرار في الدولة كي يتم أولاً الاستفادة من المساحة المشتركة ثم التوصل إلى توافق على الملفات واحداً في إثر الآخر.
مهم أن تقوم الجمعيات السياسية بهذا الدور الآن، كي لا تضيع ويضيع جهدها وتاريخها وكي لا يعاني منسوبوها من حالة الملل التي صار يعاني منها الكثيرون، فبعد قليل سينتشر الملل في جسدها كما السرطان.