ليعذرني القارئ الكريم، فاليوم قد أبريت قلمي، وجعلته مدبباً، لأفقأ به عيون من يتجرأ على مقدساتنا ورموزنا وينتقص من قدر ولاة أمورنا، فقد طفح الكيل، وبان الحقد، وما تخفي صدورهم أعظم.
إن ما حدث في المشاعر المقدسة أمر لتدمي له القلوب، وتتقرح منه العيون، لكن لا نقول إلا ما يرضي الله تعالى «إنا لله وإنا إليه راجعون».
لقد تعاطف الناس في مشارق الأرض ومغاربها، شعوباً وحكومات، مع حادث التدافع في مشعر منى، إلا إيران وأذنابها، فقد انبرت طهران منفردة، تكيل سيلاً من الاتهامات والتشكيك، منتقصة من جهود المملكة العربية السعودية ومن أول ساعة لوقوع الحدث لم ينتظروا حتى نتائج التحقيق والوقوف على أسبابه.
إن استباق الأحداث من قبل ملالي قم وطابورهم وكتابهم ومنظريهم وهم كعادتهم أبواق للتضليل وتشويه الحقائق، ليس بالأمر الغريب، وهو بالتأكيد يضمر وراءه أمراً جللاً، ربما أرادوا بذلك تغطيته.
الجميع يحسد المملكة وقيادتها على حلمها وصبرها على أذى بعض الزوار والحجيج الإيرانيين منذ عقود، حيث لا يخلو موسم حج وعمرة إلا وتتعمد تلك الدولة المارقة إرسال طوابير من أتباعها لحرف مسيرة الحج عن نهجها ويسعون جاهدين بتدويل موضوع الحج وإدارة الحرمين الشريفين بافتعال الأزمات ولكن وعي القيادة السعودية وجاهزية القوات الأمنية والجهات التنظيمية يفشلها دوماً ويقبر محاولاتهم البائسة.
إن نهج النظام الإيراني الحالي هو امتداد للنهج المجوسي ولديه عقدة لا يستطيع مغادرتها.
ففي أروقة مكة بشر نبينا بانهيار إمبراطوريتهم وتصدع إيوان كسرى وتدحرج تاجه وبعد عقدين من الزمان مكن الله الخليفة العادل عمر الفاروق رضي الله عنه من تحقيق تلك النبوءة وهلك حينها كسرى ولا كسرى بعده حتى تقوم الساعة.
فتلك الحقبة المهمة من تاريخ أمتنا العظيمة هي نقطة حالكة السواد في تاريخ المجوس، ويمثل شخوصها وعلى رأسهم الفاروق أكثر الناس عداء لهم فاختلقوا في كتبهم الصفراء شتى التهم والافتراءات لتشويه تاريخه الناصع وأقاموا نصباً على ضريح قاتله أبي لؤلؤة المجوسي ويعتقد بعضهم جهلاً أو حقداً أن زيارته والتبرك به والطواف حوله فيه قربة إلى الله وآل البيت.
إن الإمكانيات الهائلة والجهد الجبار الذي تبذله المملكة العربية السعودية من أمور التنظيم والإشراف على أداء مناسك الحج والعمرة وعلى مدار العام لتعجز عنه دول مجتمعة وليعلم الجميع أن مسؤوليتها هو تنظيم وضبط حركة الحجاج لا ضبط عقولهم ومعتقداتهم.
وقد سمعنا الكثير من الحوادث التي وقعت في دول عدة عند تجمع عشرات الآلاف وليس الملايين وذهب ضحيتها المئات كمباريات كرة القدم والمهرجانات والطقوس للملل الأخرى، بل حتى مواسم الزيارات عند الشيعة فقد حدثت مثل تلك الكوارث وللتذكرة فقط، فحادثة جسر الأئمة في بغداد التي وقعت عام 2005 كانت كارثة، عندما تزاحم وتدافع الآلاف متجهين من الأعظمية نحو الكاظمية لإحياء ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه وسقط المئات منهم غرقى في نهر دجلة ودهس مثلهم لسوء التنظيم وعندها بلع ملالي قم ألسنتهم ولم يدينوا أذنابهم.
يتقاطر إلى مكة في كل عام الملايين من كافة الأجناس والأعمار والثقافات، فيهم المتعلم وفيهم من لا يحسن القراءة ولا يفقه من أمر دينه شيئاً، ومن الطبيعي أن تحدث بعض الخروقات غير المتعمدة بسبب عدم التزامهم بالتعليمات، وهذا أمر وارد خصوصاً إذا علمنا أن عبادة الحج أمر توقيفي وتوقيتي ولا يقبل التحويل في أماكن المشاعر أو التأجيل بعكس الكثير من الفعاليات على مستوى العالم، وهذا هو ديننا والحج أساساً ركن مبني على الاستطاعة.
ونحن إذ نرجع ما حدث أولاً إلى قضاء الله وقدره، فإننا على ثقة أن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لن تألو جهداً في تجاوز ما حدث، وفي وضع خطط جديدة تؤمن للحجاج أداء شعائرهم بيسر.