بينما كنت أتجول في سوق المنامة، صادفت أحد أصدقائي من الكسبة أو ما نسميهم اليوم «بالتجار الصغار»، وقبل أن أبادره بالسؤال عن أحوال السوق، بادرني بالجواب قبل أن أسأله قائلاً لي: «والله تعبانين والسوق تعبانة». هذه الحادثة العابرة تختصر لنا المشهد الحقيقي لما يواجهه الكسبة في أسواقنا الشعبية والقديمة، فالأسواق خاملة، وحركة البيع والشراء باتت تقتصر على المناسبات فقط، أمَّا بقية أيام السَّنة، فلا يستطيع تاجرنا أن يؤمِّن مبلغ إيجار المحل، ناهيك عن بقية الالتزامات المالية الخاصة بتجارته!
هبطت أسعار النفط أم صعدت، وسواء كانت هنالك أزمات مالية واقتصادية ضاربة في عمق الدولة أم كل شيء بخير، لا يجوز التعرض للكسبة بأية التزامات جديدة في أسواقنا التي أُنشئت قبل أن تُنشأ كل وزارات التجارة في الوطن العربي، كما لا يجوز أن يمس وضع التاجر البحريني بأي سوء، بل يجب على الدولة حمايته حين يتعرض لمخاطر مالية محتملة، كما لا يجب أن يُحمَّل الكسبة من الأعباء ما لا يطيقون ولا يحتملون، لأنهم أضعف وأقل تحمَّلا بكثير من أزمات الدولة الاقتصادية، وفي نفس الوقت يعتبرون عندنا أغلى من برميل النفط، لاعتبارات إنسانية وتاريخية ووطنية.
ما هو دخل الكسبة في سوق لا يرتادها أحد؟ وكيف نتوقع شكل الأرباح المتوقعة للتاجر البحريني الصغير في سوق يُدار من خلال مافيات آسيوية، حتى يكاد تاجرنا يضيع بين من «يرطنون» كل اللغات؟ هل يمكن أن تترك الدولة تاجرنا الصغير يسبح بمفرده في خضمِّ الأمواج العالية للسوق؟ وهل يعقل أن يُعامل التاجر البحريني كما يعامل التاجر أو المستثمر الأجنبي؟ وهل من المُتَقَبَّل أن تكون القوانين المتعلقة بالتجارة واحدة، إذ تطبَّق على التاجر البحريني والأجنبي على حدٍّ سواء؟
لا يعلم الكسبة من البحرينيين ما هو مصيرهم في سوق يعدّون الأقلية فيه، بل لا نبالغ إذا قلنا بأنهم يعلمون مصيرهم جيداً، فهم بين خيارين، إمَّا أن يرحلوا من السوق، أو يواصلون نضالهم في معركة البقاء، على الرغم من يقينهم بالهزيمة الحتمية، وفي كلتا الحالتين نتساءل من جديد، أين دور الجهات الرسمية فيما يتعلق بالحفاظ على مكانة التاجر البحريني في أسواقنا مهما كلفها الثمن؟
شبعنا وشبع الكسبة من الوعود الزائفة لوزارة الصناعة والتجارة فيما يتعلق بحفظ حقوق التاجر البحريني ودعمه حتى النفس الأخير»خصوصاً في سوقي المنامة والمحرق»، فالكسبة لن يستفيدوا من مسؤول يأتيهم لالتقاط صور تذكارية معهم في سوق ميت، ليضعها في نشراتهِ الدورية نهاية كل شهر، أو يركنها فوق رفوف مكتبه الفخم، بينما يتجاهل ذلك المسؤول كل أصوات الكسبة من البحرينيين الذين يطالبون بتطوير الأسواق ودعمهم في الشدة والرخاء.
صوت التاجر البحريني أصبح غير مسموع من طرف المسؤول، واليوم بعد أن بُح صوته، لا شيء يجدي في معالجة وضعية السوق سوى محاسبة المسؤول، فنجاح السوق البحريني يعني للاقتصاد الوطني الشيء الكثير، فهل استوعبتم ما نصبو إليه بخصوص هذه المشكلة؟ أم أنكم ستظلون صم بكم عمي مدى الدهور؟
مناشدات تجارنا وكسبتنا يجب أن تصل إلى مسامع سمو رئيس الوزراء، فهو القادر على أن يحمي «السوق» والكسبة معاً، وذلك بقرارات شجاعة تخلد سوق الآباء والأجداد من كل ضيم يمكن أن يحيق بها وبهم.