سقوط الرافعة يوم الحادي عشر من سبتمبر الحالي في الحرم المكي بسبب العواصف التي تعرضت لها مكة ووفاة مائة وثمانية من الحجاج نتيجة ذلك وجرح آخرين أحيا أمل إيران لإصدار بيان تدين به المملكة العربية السعودية المسؤولة عن الحجيج والمعنية بتطوير الحرمين الشريفين، وكان واضحاً أن إيران ظلت تنتظر الفرصة لكي تفعل ذلك، فبعد دقائق قليلة من حصول التدافع في مشعر منى أدلى رئيس بعثة الحج الإيرانية بتصريحه الناري الذي أعقبته تصريحات لعدد من المسؤولين الإيرانيين طوال يوم العيد وصولاً إلى التصريح الأكبر من الرجل الأول في إيران حيث حمل السيد خامنئي السعودية مسؤولية ما حصل واتهمها مباشرة بالتقصير في تنظيم الحج والحرص على سلامة حجاج بيت الله الحرام.
دونما شك لن تفوت السعودية حادث وقوع هذا العدد الكبير من الوفيات والجرحى من دون أن تحقق فيه، وتستفيد منه لتدارك الأخطاء في المستقبل، لذا وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على الفور إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الأسباب التي أدت إلى التدافع في ذلك المكان وإلى سقوط هذا العدد الكبير من حجاج بيت الله، وبالتأكيد ستتحمل السعودية مسؤولياتها كاملة تجاه ما حدث، وستفعل كل ممكن للتخفيف عن أهالي المتوفين والجرحى. لكن دونما شك أيضاً ستستغل إيران والسائرون في دربها هذا الحادث لتوجيه مزيد من النقد للسعودية واتهامها بالتقصير في عملها وفي التحضير لموسم الحج وصولاً إلى اتهامها – ربما – بتعمدها حصول ذلك الحادث خصوصاً وأن بعض الاتهامات بدأت تطال الحجاج الإيرانيين وهمجيتهم، والمخابرات الإيرانية.
ما لم تنتبه له إيران ومن يقف إلى جانبها هو أن الموت ليس بيد السعودية ولا غير السعودية، فالموت حق وهو يأتي فور أن يستوفي المخلوق ما قسمه الله له في هذه الدنيا، بل لو أن السعودية حاولت أن ترتب لهذا الحادث بغية حصوله ووفاة هذا العدد من الحجاج ولم يكن قد حان بعد أجلهم لما توفي منهم أحد. هذا حادث حصل نتيجة خطأ سببه في الغالب الحجاج أنفسهم الذين جاءوا من بلاد مختلفة وثقافات مختلفة وتختلف قدراتهم، ويكفي أن يقع واحد منهم على الأرض أو يصرخ بصوت عال ليحدث التدافع.
الموت في الحج لا يحدث بالضرورة نتيجة سوء التنظيم أو التقصير في الإعداد، تماماً مثلما هو الحال خارج الحج، فهو يأتي الناس في الموعد المحدد من قبل رب العالمين لوفاتهم، لا قبل ساعة ولا بعد ساعة، وبهذه الطريقة أو بغيرها. كان يمكن مثلاً سقوط طائرة هيلكوبتر يقودها طاقم مهمته العناية بالحجاج وتسهيل أمورهم فيتوفى البعض منهم، وكان يمكن حصول أي شيء ينتج عنه وفاة الجرحى أو غيرهم لو أن ذلك اليوم كان يومهم، وكان يمكن بدلاً عنهم وفاة من شارك في إنقاذهم لو أن الله أراد أن يسترد أمانته منهم في ذلك اليوم. هذا قضاء الله وقدره ولا يمكن لبشر أن يتدخل فيه أو يمنعه مهما فعل. وسواء كان من ينظم الحج هذا الفريق أو ذاك فإنه لا يستطيع أن يقف في وجه ما يريده الله سبحانه وتعالى.
التصريحات الإيرانية ضد الشقيقة الكبرى سببها أنها أرادت أن تستفيد مما حصل بتوظيفه سياسياً، فطالما أن السعودية هي المعنية بالتنظيم لذا فإنها السبب وراء حصول أي «شمخ» لأي حاج في أي يوم من أيام الحج، ومهما قدمت السعودية من خدمات تثير عجب العالم واستحسانه وتنال رضى الله والحجيج تظل في نظر إيران مقصرة، فإيران لن ترضى عن أي عمل طيب تقدمه السعودية وتعتبرها مقصرة قامت أو قعدت.