بالرغم من تراجع نسبة الطلاق في مملكة البحرين، إلا أن معدل نسبة الطلاق تعتبر مرتفعة في المجتمع البحريني، وهذا يدعو للقلق حيال أسباب الطلاق وعدم التروي في بعض قضايا الطلاق، لما في التباطؤ في إتمام الطلاق من مصلحة في بعض الأحيان، وأياً كان سبب الطلاق، فلا شك في أنه سيؤدي إلى تشتت الأسر وعدم استقرارها، فالأسرة هي محرك الأمة، فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع، كذلك يكون فساد المجتمع وانحلاله، لما لمشاطرة تربية الأبناء بين الأبوين، ووجودهما معاً في مكان واحد من معنى حقيقي في بناء المجتمع، والمثل الدارج عندنا يقول «اليد الواحدة ما تصفق»، فالأسرة لها دور مهم في تحديد شخصية الأطفال وتحديد سلوكهم واتجاهاتهم، فالأسرة قادرة على أن تقود أبناءها للاستقامة أو الاعوجاج، لذلك تثمن كل أسرة بحرينية دور صاحب الجلالة الملك المفدى في الحفاظ على أركان البيت الواحد في ثباته وقوامه عندما أصدر جلالته مرسوماً بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية، وذلك للحفاظ على استقرار الأسرة، وحتى تتمكن من أداء دورها المادي والمعنوي تجاه أبنائها وغرس القيم الإيجابية والانتماء المجتمعي والولاء للوطن لديهم، من خلال تسوية النزاع في مكتب التوافق الأسري أولاً.
تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية وتسوية النزاع في البداية عند مكتب التوافق الأسري تعد خطوة ستتبعها خطوات أخرى لحفظ وصون كرامة الأسرة البحرينية وبالتالي سيؤدي إلى استقرار نفسي وإرضاء جميع الأطراف خصوصاً عندما يكون الأمر إلزامياً، فدور مكتب التوافق الأسري سوف يكون دوراً مهماً في تهدئة النفوس الثائرة، خصوصاً عندما يتولى ذلك ذوو الاختصاص والمستشارون في تناول مشاكل الأسرة والعمل على حلها بصورة ودية، وتفهم الأطراف حقوقهم وواجباتهم، فقرار الطلاق ليس بالسهل، قد يلحق بذلك طلاق الأبناء، فمازال بعض الأزواج يرون أن الطلاق هو الحل الوحيد لحل الخلاف وأقصرها، ولكنهم لا يدركون أن الطلاق هو بداية لمشاكل أبنائهم، وطريق وعر إذا ما أهملوا تربيتهم والاعتناء بهم، وأقسى ما في ذلك، عندما تتحول المشاعر الجميلة بين الزوجين وبين الأبناء إلى مشاعر الكره والعداء للآخر، وهذا قد يؤدي إلى عواقب سلبية خصوصاً عندما يفقد الأبناء ثقتهم بأسرتهم ووالديهم، وفقدهم بعد ذلك للانتماء الأسري والمثل الأعلى والقدوة الجميلة لهم، وهنا يأتي دور مكتب التوافق الأسري لإيجاد حلول للحفاظ على الكيان الأسري ما لم يكن الطلاق بمثابة طوق نجاة لكل فرد من أفراد الأسرة، لذلك الرجوع إلى مكتب التوافق الأسري أشبه بالرجوع عن قرارات غير متزنة وغير واعية عندما تهدأ النفوس وهي في بداية اشتعالها بين الطرفين، ناهيك عن دور مكتب التوافق الأسري في تيسير المسائل المتعلقة بالنفقة والحضانة وتربية الأبناء بطريقة ودية بعد الطلاق.
دور المجلس الأعلى للمرأة ودور الجمعيات الأهلية واضح في الحفاظ على الكيان الأسري من خلال برامجهم المتعددة لتطوير وتعزيز الثقافة الزوجية الراقية من أجل أسرة آمنة ومستقرة وواعية لحل الخلافات ووضع أهداف واستراتيجيات لتقوية الأواصر الأسرية، وهذا ما تطمح له الأسرة البحرينية بأن تكون مستقرة وقوية في كل حالاتها حتى مع الطلاق الناجح، نطمح في المزيد، نطمح أن تتراجع نسب الطلاق، نطمح أن تقل قضايا الأحوال الشخصية أمام المحاكم الشرعية، نطمح للاستقرار الأسري.
رابط الزواج اختلف في مفاهيمه وأهميته وحتى في أهدافه عن السابق، فقد أصبح عند البعض بلا أهمية لوجود بدائل متعددة، كما أصبح الزواج اليوم عند البعض مصلحة شخصية وغاية للوصول لأهداف ذاتية، بعدما كان الزواج هو السكن والسكون والاستقرار العاطفي، ولربما يعود ذلك إلى عوامل عدة منها المدنية والعولمة والوازع الديني، كل ذلك له دور رئيس في تغيير السلوك والقيم والمبادئ، ولكن يبقى على الجميع دور مهم في بلورة دور الأسرة من جديد كمحرك أساسي في المجتمع تقوم على ركائز قوية، فتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية وتسوية النزاع في مكتب التوافق الأسري خطوة رائدة، ولكن نطمح بخطوة استباقية تمهد للتناغم الأسري، وهو إصدار قانون للمقبلين على الزواج وقبل عقد القران لحضور ورش عمل خاصة ومتنوعة في الثقافة الزوجية والتي تهتم بجميع النواحي الاجتماعية والصحية والحقوقية والنفسية، على أن يكون الحضور إلزامياً من كلا الطرفين، لما في ذلك من أهمية في معرفة الحقوق والواجبات، كما نطمح بإقرار قانون الأحوال الشخصية بشقه الجعفري لما سيحققه ذلك من عدالة للمرأة البحرينية ويضمن لها حقوقها أسوة بقانون الأحوال الشخصية بشقه السني، ويأتي هنا دور الجهات التشريعية والقانونية لصون كرامة المرأة في إطاره الشرعي، فالمرأة البحرينية أياً كانت طائفتها تبقى امرأة كرمها الإسلام وحفظ حقوقها وكيانها.