التغير هو الثابت الوحيد في المشهد السوري، وآخر المتغيرات هو دخول السلاح الروسي إلى جانب الأسد بوصول 28 طائرة مقاتلة مع أطقمها الفنية. وهو التدخل الروسي الظاهر لأول مرة، سبقه تدخل خفي عام 2013، فعندما تم تجريد الأسد من ترسانته الكيماوية وكانت بمثابة سلاح الردع الاستراتيجي بوجه الصهاينة، كان البديل وضع سوريا تحت مظلة موسكو النووية، مما سهل للأصابع الروسية الغوص في الملف السوري عن قرب. ففي الأشهر القليلة الماضية لم يعد الرئيس العلوي بشار الأسد يسيطر إلا على خُمس سوريا. فجاء التدخل الأخير في سياقه الطبيعي، فالتبكير به كان سيوقف خسائر بشرية كانت مطلوبة للهدف الرئيس، وهو تقليل السكان المناوئين للطاغية. والتأخير به كان يعني استنزاف دولة وجيش الأسد من تحقيق ذلك الهدف وهو إقامة دولة علوية على البحر الأبيض المتوسط بها قواعد روسية تحميها من خطر سوريا القديمة بما تبقى بها من بؤس بشري وتوحش عسكري.وللتأكيد على أن التدخل الروسي الحالي هو لإحداث تغير يهدف لقيام «علويستان»، لابد من تمحيص جملة ملاحظات تنحصر في ترجمة للأسلحة التي وصلت لسوريا مؤخراً:الملاحظة الأولى: إن نوع السلاح الأخير لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون لحرب تنظيم الدولة «داعش»، لسبب منطقي هو أن التحالف الغربي الذي يشن حملة جوية منذ وقت طويل ضد نفس العدو، وبأحدث أنواع الطائرات، من الجيل الرابع والخامس، وبطيارين يتفوقون على السوريين والروس بتأهيلهم، فشل في تحقيق أهدافه، فكيف ستحقق الحملة الجوية الروسية النجاح!الملاحظة الثانية: إن دفعة الأسلحة الروسية الأخيرة تضم 4 طائرات سوخوي SU30 و12 طائرة هجومية سوخوي SU24 و12 مقاتلة سوخوي M24. وكما هو معروف فإن سوخوي 24 وسوخوي 25 طائرات قديمة من جيل الستينات ورمايتها ليست دقيقة، ولم تنفع بها عمليات التحديث. كما إن سوخوي 25 صممت للدعم الجوي وسوخوي 30 هدفها في المقام الأول الدفاع الجوي، مما يعني أن جولة الصراع التي يستعد لها الأسد مدعوماً بهذه الطائرات هي عملية تراجع منظم باتجاه كيان «علويستان» المحصن الذي يجري تجهيزه عبر إعادة تأهيل القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية.الملاحظة الثالثة: أن ما يجري هي عملية تراجع، صور للأقمار الصناعية الغربية، تظهر وجود طائرات هليكوبتر من طراز K-29 وهي للنقل والدعم الجوي يمكن أن تقل الرجال والعتاد، وهذا مفيد في عمليات الانسحاب العجول. يضاف لذلك استخدام نظام الأسد طائرات استطلاع روسية بدون طيار وليست هجومية كالأمريكية. بل إن خبراء أكدوا أن الروس قاموا بطلعات استطلاعية لكنهم لم ينفذوا ضربات. مما يدل على خوضه حرب انسحاب تكتيكي، رافقها نشر دبابات T 90 الروسية في تموضع دفاعي حول مطار باسل الأسد باللاذقية.إن هذه المؤشرات العسكرية إضافةً إلى ما تكرر مؤخراً في العواصم الغربية من إمكانية إبقاء الأسد كجزء من عملية الحل يدل على أن قيام «علويستان» والأسد رئيساً لـها يشغل حيزاً كبيراً من أفق المتغير الجديد في سوريا.