تفاجئنا الدولة كل يوم بقرارات جديدة في ظل الأوضاع الراهنة، وكعادتها فإنها تعطينا رؤوس أقلام الخبر، وتجعل «المواطن الفلتة» يكمل الفراغ.
ومع استمرار الأخبار «المبتورة» زادت الشائعات، وانتشرت وغطى عفنها كل شيء!!
مثلي مثل آلاف غيري، تصلني الشائعات إلى مكاني، على الرغم من أنني أحاول جاهدة غلق المنافذ التي تأتي منها الشائعات، إلا أن المنافذ زادت وتشعبت، لا سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبرامجه الكثيرة، فمن «الواتساب» و»تويتر»، إلى «الانستغرام» و»الإيميل»، أصبحنا في عالم مخترق وبيئة خصبة لنشر الشائعات.
وعلى الرغم من أنني لا أساهم في نشر الشائعات «وهذا أضعف الإيمان»، إلا أنني أستغرب من بعض المواطنين «الفلتة» الذين أصبحوا يصرحون ويحللون ويكملون الفراغات الكثيرة التي تخلفها الأخبار الرسمية غير المكتملة، والتي كان آخرها خبر «الحكومة المصغرة» وتداعيتها وأسبابها وأدوارها!
قام بعض «المواطنين الفلتة» بدور جبار في «التأليف والتنجيم»، بعض هؤلاء «الفلتة» لعب دور المتحدث الرسمي، وبات ينقل لنا عن أخبار مجهولة المصدر، وآخرون لعبوا دور المستشارين، وراحوا يقدمون النصح والإرشاد للدولة!
وآخرون صاغوا لنا سيناريوهات تنفع للاستثمار الدرامي، وفي دوامة كل هذه الشائعات هناك نفر قليل تحدثوا بحكمة ومنطقية وحيادية، وراحوا يصيغون حلولاً كل في مجال تخصصه، لا هم لهم، سوى مصلحة الوطن.
أكررها، لا يقع خطأ نشر الشائعات على المواطنين، فعندما تترك الأخبار التي تهم المواطن مبتورة، تكون مرتعاً خصباً لانتشار الشائعات العفنة.
ومن باب اشغلوهم في خير، أدعو الدولة وفي ظل احتياجها عن مصادر للاستثمار وفرص لتنوع الدخل، فلتستثمر في المواطنين، لعلهم يصومون عن الشائعات ويبتعدون عنها قليلاً!!
الاستثمار في المواطن البحريني
إن المورد البشري في مملكة البحرين كان ومازال يمتلك من الكفاءة ما يؤهله لأن تعتمد عليه الدولة في العديد من المهام.
وللأمانة فمملكة البحرين تضع خططاً متنوعة من أجل تنمية مهارات المواطن البحريني، فما العدد الكبير للبعثات إلا دليل واضح على هذا الاهتمام، وما برنامج ولي العهد للمتفوقين إلا نموذج مشرف يوضح لنا مدى إيمان الدولة في الاستثمار في مواطنيها، وما الدور الريادي الذي تلعبه «تمكين» في مجال تدريب البحرينيين وتأهيلهم لسوق العمل إلا برنامج طموح يساهم بلا شك في تنمية مهارات المواطنين، وغيرها من المشاريع التي تصب في صالح تنمية مهارات المواطن، ولكن!
هل كل هذه البرامج والبعثات تلائم سوق العمل ومتطلبات الوضع الراهن؟ وهل تغطي عدد البعثات النقص في بعض المهن في مملكة البحرين؟ وما هي عدد بعثات الطب البشري بمختلف أنواعه في مملكة البحرين؟ كم عدد علماء الفضاء والذرة في مملكة البحرين؟ «من باب أننا نملك هيئة مختصة بعلوم الفضاء»، وكم عدد بعثات طلبة الهندسة الصناعية والكهربائية والميكانيكية والكيميائية وهندسة الطيران؟ وكم عدد بعثات دراسة حقوق الإنسان وإدارة الأزمات؟ والأهم من كل هذا أين يعمل المبتعثون الآن، وهل هم يشاركون في صنع القرار؟
ففي سنغافورة على سبيل المثال، واحتذي بهذه الدولة في هذا المثال، لأنها دولة «كانت متواضعة في جميع مواردها»، واعتمدت على المورد البشري، لكي تكون في مقدمة الدول التنموية، ففي عام 2008، ألقى باني سنغافورة الحديثة لي كوان يو خطاباً مهماً في المملكة العربية السعودية موضحاً سبب معجزة سنغافورة التنموية قال فيه:
«لقد أدركنا الحكمة الصينية التي تقول: «سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة، وعشر سنوات ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة سنة لكي ينمو الإنسان»».
لقد اهتمت سنغافورة بقيام صناعات تسمح للمواطنين بالاستثمار، وقامت بإرسال أبنائهم إلى الدول الصناعية المتقدمة ثم العودة إلى الوطن والعمل على تأسيس أعمال صناعية وطنية. وكان هدفهم هو أن يتعلموا كيفية استثمار الاحتياطي من البترول وكيفية إدارة الموارد البشرية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفوائد. ثم تابع قائلاً: «لقد عملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون وتمكنا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم ومؤمنين بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم، لقد شيدنا نظاماً متكاملاً على مفهوم أساسي هو «الجدارة»، بمعنى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وليس بسبب علاقتك بوالديك، أنت موجود هنا لأنك أفضل شخص للوظيفة».
هذه جزئية من خطاب رائع وضح فيه الرئيس السنغافوري استراتيجية بلاده في التنمية وزيادة الدخل القومي لبلاده.
فهل لدينا خطة واضحة للاستثمار في المورد البشري في البحرين؟ وهل تعكس البعثات الدراسية والبرامج التدريبية خطط البحرين المستقبلية؟ وهل سنشهد أعداداً أكبر في إعداد المبتعثين لدراسة تخصصات تحتاجها الدولة وتستطيع الاعتماد عليها في المرحلة المقبلة؟ أم ستظل البعثات بعيدة عن خطة الدولة واستراتيجيتها؟ وهل سنشهد اهتماماً أكبر في الاستثمار في المواطن؟ أم سنظل نضع خططاً هلامية من أجل تنوع مصادر الدخل متناسين دور المواطن في هذا الجانب.
أكرر كلمة قالها جلالة الملك المفدى «لا خير في تنمية لا يستفيد منها المواطن»، ولا خير فينا إذا كانت خططنا التي نضعها تخالف قول جلالة الملك.
فالمواطن شريك في الربح والخسارة، وليس شريكاً في الخسارة فقط! فاستثمروا في المواطن البحريني لكي يكون مؤهلاً للمساهمة في بناء الوطن، ويكون شريكاً فعالاً في التنمية.