في إحدى السنوات التي من الله فيها علينا بحج بيته الحرام كنت مع بعض الأصدقاء في مزدلفة وكان الليل قد انتصف، الحجاج كانوا يشغلون المساحات بأجسادهم ومتعلقاتهم الشخصية بطريقة يصعب معها تحرك السيارات، في هذه الأثناء حاول بعض الخليجيين التحرك والخروج من المكان بسياراتهم الجيب، كانوا مجموعة من الرجال والنساء والأطفال وكانوا قد اهتدوا إلى الطريق ولم يكن عليهم سوى المرور من المكان الذي كنا نشغله مع آخرين من جنسيات مختلفة لينفذوا. طلبوا منا أن نفسح لهم الطريق فقمنا على الفور ورفعنا متعلقاتنا وانتظرنا ليمروا، لكنهم لم يتمكنوا لأن الذين كانوا يشغلون المساحة التالية رفضوا رفع متعلقاتهم عن الطريق لمدة دقيقة واحدة كي يتمكن أولئك من المرور بسياراتهم ودخلوا في جدال غير مجد ومؤذ.
الرافضون كانوا إيرانيين، وعاندوا بطريقة مخيفة، وكانوا لا يبالون لو أدى ذلك إلى مشاجرة بالأيدي وحتى بالسلاح الأبيض. اعتبروا ذلك معركة كبيرة ينبغي الانتصار فيها. حاولنا التدخل لإقناعهم وخاطبناهم بالطيّب من الكلام و»راشيناهم»، وأوضحنا لهم حكم الجدال في الحج فلم يغيروا رأيهم وموقفهم وازدادوا إصراراً عليه. استمر الحال والجدال و»النحاسة» نحو ساعة، ثم في نهاية الأمر وافقوا على إبعاد متعلقاتهم متراً واحداً هو كل ما كان يحتاجه أولئك الحجاج ليمروا بسياراتهم.
هذا مثال يبين مستوى الإيرانيين الذين لا يبالون حتى لو جرح حجهم ولم ينالوا القبول فالمهم عندهم هو ألا يكسروا وأن يشعروا الآخرين بأنهم هم أصحاب الفضل عليهم وبأنهم هم أصحاب القرار. هكذا أكد لنا آخرون نقلنا لهم ما حدث فعززوا القصة بقصص ومواقف شبيهة كلها أكدت طبيعة العقلية الفارسية.
من تواجد في المكان في تلك الليلة لأداء ذلك المنسك ورأى ما رأى من الإيرانيين لا يجد صعوبة في الانحياز إلى فكرة مخالفة الحجاج الإيرانيين لخطة التفويج وانطلاقهم مباشرة إلى رمي العقبة الكبرى، والعودة في طريق معاكس، والتسبب في الفوضى التي أدت إلى وفاة نحو ثمانمائة حاج ثلثهم من الإيرانيين، ونحو ألف جريح، فالإيرانيون يهوون العناد، ولا يهمهم إن أدى ذلك إلى فوضى، بل إنهم يسعون إلى خلقها بغية إحراج السعودية المعنية بتنظيم الحج وسلامة الحجيج، ولعل أسهل مثال على هذا هو إصرارهم على الخروج في مظاهرة سنوية في أيام الحج تحت عنوان «البراءة من المشركين»، واعتبار ذلك العمل من واجبات الحج، وهو ما أدى في سنوات سابقة إلى مواجهات مع رجال الأمن أسفرت ذات مرة عن سقوط نحو أربعمائة من الحجيج.
ما سيحصل الآن هو أن المسؤولين الإيرانيين سيسعون إلى الاستفادة من حادث منى في الإساءة إلى المملكة العربية السعودية ولن يتوقفوا عن ترديد مقولة إن «ما حدث هو نتيجة سوء التنظيم واسترخاص أرواح حجاج بيت الله الحرام»، بل إن بعض أولئك المسؤولين أعلنوا أنهم «سيلجئون إلى المحاكم الدولية ليثبتوا ذلك وليدينوا السعودية أملاً في أن يتم إشراكهم في عملية تنظيم الحج وتطوير الحرمين الشريفين مستقبلاً».
منذ يوم الحادثة لم يتوقف المسؤولون الإيرانيون عن إطلاق التصريحات النارية ضد الشقيقة الكبرى والسعي إلى تأكيد القول بأنها «هي سبب كل ما حدث»، ولن يتوقفوا لأنهم يرمون إلى توظيف ما حدث لخدمة أهدافهم السياسية، وليس على المعنيين في السعودية ودول مجلس التعاون والأمم المتحدة سوى رصد التصريحات المتعلقة بهذا الخصوص اعتباراً من تاريخ حادث منى وحتى يوم عيد الأضحى المقبل ليتأكدوا من أن هدف إيران هو إدانة السعودية والقول بأنها «دون القدرة على تنظيم الحج» وأنه بناء عليه «ينبغي تشكيل لجنة دولية للقيام بذلك تنتهي بتكليف إيران به، فهي الأقدر والأحرص و....»!