حالة «التردي» التي أصابت لجنة دعم اللحوم البرلمانية والتي أعلن أعضاؤها أنهم بصدد الانسحاب منها أو أعلن البعض منهم عن انتهاء وانتفاء دورها كلجنة بعد أن فرضت الحكومة مرئياتها.
وبغض النظر عن سلامة الإجراء الحكومي أو عدم صحته، فهذا ليس موضوعي، إننا نناقش فرصة وجود تكتل كبير يضم أكثر من عشرة أصوات على الأقل مجتمعة تستطيع أن تحرك بقية المجلس وتقوده، هذه الفرصة أصبحت شبه معدومة ما لم يعد النواب التفكير في مستقبلهم.
ما انتهى إليه المجلس النيابي من لجنة مصغرة انفردت بها الحكومة وشتتها هي الأخرى هو نموذج لحالة التردي في الأداء العام للمجلس النيابي، ويمثل صورة لما يمكن أن ينحدر إليه مستوى الأداء العام للمجلس النيابي في الأدوار القادمة بعد أن تدرج في انحداره رويداً رويداً منذ بروزه كقوة -على الأقل في وحدة الصوت- أثناء مناقشة برنامج الحكومة في أول أيام دور الانعقاد الأول ثم تراجع أثناء مناقشة الميزانية ليضمحل ويبهت في لجنة دعم اللحوم.
التشظي في الأداء النيابي هو نتيجة حتمية ومسؤوليته جماعية فلا يتصل أي من النواب ليؤيد ما جاء في المقال ويلوم زملاءه، النتيجة واحدة، فشل جماعي في خلق «كتلة» تمثل الإرادة الشعبية المتزنة والعقلانية والقوية في ذات الوقت، استعراض عضلات فردية خرج منها الكل خاسراً، كل نائب حلم بالنجومية منفرداً وخسر الجولة بمن فيهم من رسم لنفسه سيناريو «الشو» الإعلامي.
لا يمكن للمجلس النيابي أن ينجز على أي صعيد ما لم يقتنع الجميع دون استثناء فرداً فرداً، بأنه كنائب مهما بلغت فصاحته وجرأته وحراكه الاجتماعي وحده لا يستطيع أن يحقق شيئاً مهما علا صراخه، ومهما استعرض من عضلاته ومهما فتح مجلسه ومهما نشر صوره ومهما أرسل رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، كلها أدوات ستذهب هباء منثوراً حين يتطلب منه جمع أربعة أصوات إلى جانب صوته لتقديم مقترح بقانون فيعجز عن جمعهم، وحين يتطلب الأمر تصويتاً على تشريع أو حين يتطلب الأمر تحريك أي من الأدوات الرقابية، سيكتشف أنه عاجز عن الاتفاق مع اثنين.
جميع الأدوات الرقابية والتشريعية وفي جميع برلمانات العالم تحتاج إلى عمل جماعي، وتحتاج إلى «الخبرة» و«التخصص» في دول حديثة العهد بالمشاركة الشعبية كحالنا، ونوابنا إلى اليوم ومن بعد أربعة فصول تشريعية مازالوا يظنون أن العملية تؤخذ «بالعترمي» أي بالقوة وبالاستعراض.
نواب الفصول السابقة لم يكتفوا بتشتيت الجهود بإصرارهم على التحرك الفردي بل أهدروا إضافة نوعية لأدائهم حين ناصبوا مجلس الشورى العداء والغيرة وها نحن نرى المجلس الحالي يتبعهم في ذات النهج، وهذا تضييع لفرصة كبيرة كان بإمكانها أن تضفي قيمة نوعية على قرارات السلطة التشريعية إن وضعت المصلحة العامة فوق أي اعتبار لا المصلحة الخاصة.
خذ على سبيل المثال حين تشكلت لجنة مشتركة بين الغرفتين (الشورى والنواب) تمثل السلطة التشريعية لمساعدة الحكومة على إيجاد البدائل لزيادة الإيرادات وتقليل المصروفات، قلنا أخيراً .. هذه هي أجمل صورة التعاون بين السلطتين، الآن سيشكل وجود هذه اللجنة المتخصصة قيمة مضافة للأداء الحكومي، وستشكل مقترحات ومرئيات «السلطة التشريعية» ضغطاً لا يمكن أن تتجاهله الحكومة، إنما الذي حدث أن النواب تملصوا من هذه اللجنة والتفوا عليها بلجنة نيابية تجاوزوا فيها الشورى بدأت كبيرة إذ لم يبق نائباً لم يسجل اسمه ونشره في الصحافة وحين جاء وقت الاجتماعات وتطلب الأمر الحضور والمساهمة في الرأي مكتوباً غاب معظم النواب، حتى انتهى الأمر بلجنة مصغرة تركت مناقشة الأزمة الكبرى الحقيقية التي تعاني منها البلاد وانحصرت مهامها في جزئية صغيرة من إشكالية تعويض الدعم عن اللحم هل يدفع بالبطاقة أم «كاش»؟!!!
كل الظواهر الصوتية تفقد بريقها وتفشل كل الجهود الإعلامية لتلميع أي نائب ستذرها الرياح حين يأتي وقت الجرد، ما لم يعد كل نائب منفرداً حساباته ويعلم أن قوته في توحد أصوات النواب وفي حراكهم الجماعي كسلطة تشريعية، فإن الانحدار سيتواصل وسيجرفه معه.