تحدثنا في المقالين السابقين عن أهم ما جاء في كلام قادة بعض أبرز دول العالم فيما يخص الأوضاع في المنطقة، وموقف العرب غير الفعال من تلكم الخطابات التي تشكل منعطفاً تاريخياً حساساً بلا شك، خطابات قد تُبنى عليها الكثير من الرؤى والمعطيات فوق الأرض، بينما العرب لم يتصلوا بواقعهم عن قرب لأجل التغيير واتخاذ المزيد من القرارات الحاسمة.
كان هذا هو المهم، لكن الأهم، هو ما يمكن أن يقال حقيقة عن القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 70 بنيويورك يوم الأربعاء الماضي، علَّنا نسلط بعض الضوء على كلمته وقراءة الواقع من خلالها.
في خطابه الذي وصفه بالصادم، أكد عباس أن «الوضع الحالي غير قابل للاستمرار وأن السلطات الفلسطينية لتلجأ إلى الطرق والوسائل السلمية والقانونية للوصول إلى حل جذري»، مضيفاً في السياق نفسه «إما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال، مسؤولياتها كافة». وأضاف عباس «أنه لم يعد من المفيد تضييع الوقت في المفاوضات»، مشيراً إلى أن «المطلوب هو إيجاد مظلة دولية تشرف على إنهاء الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية»، مطالباً الأمم المتحدة «بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الإنساني الدولي، وأن الجانب الفلسطيني لا يمكنه الاستمرار بالالتزام بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها، وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى».
هذا كلام لا غبار عليه، بل ربما فيه الكثير من القوة، لكن ما يمكن أن يظل قوياً للأبد لتتحقق الأماني الفلسطينية هو مدى وقوف العرب إلى جهة القدس المحتلة، وعدم انشغالهم بقضاياهم فقط ونسيان «القضية الذاكرة»، كما لا يمكن تجاهل الموقف الدولي حيال الدولة الفلسطينية، خصوصاً فيما يتعلق بالاتفاقات الموقعة مع الكيان الغاصب ومدى استمراريتها من عدمها.
في خطابه الصريح، دعا عباس الحكومة الإسرائيلية، «إلى التوقف عن استخدام قواتها لفرض مخططاتها والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وخاصة المسجد الأقصى»، مشدداً على أن ذلك «سيحول الصراع من سياسي إلى ديني، ويفجر الأوضاع في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة». وأصر الرئيس الفلسطيني على أنه «مصمم على وحدة الأرض والشعب، ولن يسمح بحلول مؤقتة أو دويلات مجزأة»، مشيراً إلى أنه «يسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل وفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية».
لعل من أبرز ما يمكن أن يقال حول هذا الموضوع، هو وجوب احترام الصهاينة للأماكن التي تمثل الرمزية الدينية والتاريخية عند الفلسطينيين والعرب بكل دياناتهم وانتماءاتهم وعدم استخدامها كورقة ضغط على الفلسطيني في مفاوضاته معه، أو استعمالها حتى ضد العرب الذين يمكن أن يتحدثوا عن حساسية هذه الرمزية، فالوجود الفلسطيني لا يتجزأ، كما إن العرب لا غيرهم، هم من يستطيعون حماية الأقصى لو أرادوا ذلك، فالعدو الصهيوني له رأي في كلمة عباس وفي القضية الفلسطينية قد قيلت، ولابد لنا من الوقوف عندها. «للحديث بقية»