نحن مقبلون على «تغييرات» إدارية واقتصادية وسياسية وأمنية في طريقة ومنهج وسياسة حكم الدولة، هذا ما نقرؤه بين السطور من تصريحات علنية تكتفي بإعطائنا العناوين الرئيسة لملامح ذلك التغيير، فنستشف ملامحه وكل له قراءته وتفسيره وفهمه، انعدام التواصل بين قمة النظام وقاعدته يخلق حالة لا يمكن أن تكون صحية أبداً في مرحلة تتطلب الالتحام لا الانفصام.
نحن أمام إجراءات تم اتخاذها بالفعل ودخلت مرحلة التنفيذ على أكثر من صعيد، اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً أو حتى عسكرياً تبدأ بموضوع الدعم وتمر بقرار مشاركتنا في حرب اليمن وقد لا تنتهي بطرد السفير الإيراني وتعبر من خلال سلسلة تصريحات مبهمة عن حكومات مصغرة تارة وتعديلات محدودة تارة أخرى، وكلها تغييرات كبيرة ليست بسيطة على أي مجتمع حتى تلك المجتمعات التي اعتادت الصدمات نتناقلها عناوين وبأسطر محدودة تلقى علينا ونجلس ننتظر تنفيذها!
خطوات لم تعتدها البحرين ومجتمعها التقليدي النمطي، فرضتها ربما الأوضاع غير المسبوقة الاقتصادية منها والأمنية في المنطقة وتتطلب بالضرورة التصرف بسرعة حاسمة لا تحتمل التسويف ولا تحتمل الجدل، في النهاية هي خطوات كبيرة جداً ولكبرها بإمكانها أن تهز أي سفينة اعتاد ركابها على السير ببطء وبأسلوب محافظ جداً لعقود طويلة، ولست بصدد تحديد صحة أو سلامة ذلك النهج أو حتى مناقشته فالنقاش اليوم أصبح حذراً لا يضمن ردة الفعل!! بل سأفترض جدلاً بأن تلك الخيارات التي وقع عليها القرار السياسي هي الخيارات الأفضل وسأنتقل إلى ما بعد اتخاذ هذه القرارات المصيرية الكبيرة كيف يمكن اتخاذها وتطبيقها دون أن تحدث صدمات لا نعرف مداها ولا ندري حجمها وأثرها.
تغييرات بهذا الحجم لا يمكن ضمان تنفيذها بنجاح وهي تلقى إلى المجتمع البحريني من نافذة تقع في أعلى برج منقطع الصلة بالقاع، فما بالك ونحن لا نضمن آثارها السلبية، حتى وإن كانت أفضل القرارات وأكثرها فائدة -كما قلت لست بصدد مناقشة صحتها من عدمها- إنما عدم إدراك أصحاب القرار بخطورة «فرض» تلك القرارات على المتلقين «المجتمع البحريني» بهذه الطريقة الفوقية وبهذا الإبهام وعدم الفهم والاستيعاب، بإمكانها أن تحدث فجوة في العلاقة الفريدة التي ربطت بين النظام و القاعدة، والأخطر عدم توقع أي ردة فعل سلبية عليها وإلى أين ستقودنا ردات الفعل؟
ما بين نافذة البرج وبين المجتمع البحريني مسافة كبيرة طويلة هي الأخطر على أمن وسلامة هذه السفينة من رأسها إلى قاعها والتي اعتادت على سيرها بسرعة نمطية معينة والحافلة بالعديد من التعقيدات أحدها فقط تكوين هذا المجتمع ونسيجه الاجتماعي، ويحتاج هذا الإشكال وحده دقة في التعاطي معه تتطلب فهماً واستيعاباً لتاريخ هذا النسيج قبل أن يفهم حاضره، فما بالك إذا أضفنا بقية التعقيدات الاقتصادية والسياسية مما يستدعي الحذر الشديد في إحداث أي تغيير يحرك ساكناً ما سكن إلا بحكم العادة وتلك النمطية.
مجتمع كهذا اعتاد على نمط معين من التعاطي معه وعلاقة ثابتة بينه وبين الدولة ترتب عليها نمط تفكير ونمط حياة وشبكة مصالح اقتصادية وسياسية واسعة المساس بهذه النمطية ليست عملية كن فيكون.
مما يشكل هذا النهج الجديد وتلك القرارات المهمة والكبيرة صدمة تبدأ بكيفية استيعابها وهضمها حتى تنتهي بتقبلها، ونكرر قد تكون تلك المتغيرات ممتازة وجيدة وهي الأفضل، إنما لا نستهين أبداً بأهمية تهيئة الأرضية المناسبة لتلقيها وبكيفية إيصالها ولا نستهين بقياس ردات الفعل الحقيقة عليه، الأمر يحتاج إلى استعداد أصحاب القرار لغلق هذه النافدة والنزول بأنفسهم إلى تحت البرج إلى الناس ومخاطبتهم مباشرة والاستماع إلى مخاوفهم وتساؤلاتهم بسلسلة طويلة واسعة من الخطوات الاتصالية تتجنب أخطاء الماضي ولا تكررها.
إنك تعيد ترتيب البيت من الداخل والاستهانة بهذه التحديات، والتعاطي معها على أنها مبالغة وغير واقعية وغير حقيقية ينم عن بعد كبير عن الواقع، أما القول بأنه لا تضخمها إلا أطراف تريد أن تضمن بقاء المرحلة السابقة لتستفيد منها، هو من أكثر التحليلات التي سمعتها سطحية وتفاهة، ويقابلها تحليلات تسمي من يسد أذنه عن تلك المخاوف ويرفض الإصغاء ويمنع وصول الحقائق لصاحب القرار، أنها أطراف تستعجل التغيير حتى تستفيد هي من المرحلة الجديدة!! هل أصبح الوطن كعكة يتقاسمها طرفان؟ الاثنان ينظران للأطراف وينسيان «عمن نتحدث؟».
كل ما نقوله انسوا كل الأسماء وكل الشخوص قديمة أو جديدة، لا يفكر بهذه الطريقة إلا من ينطبق عليهم المثل البحريني «كل يرى الناس بعين طبعه» وليكن التركيز على فهم الواقع واستيعابه والانطلاق منه، التغيير إلى ما هو ممكن لا إلى ما هو مفروض فارق شاسع، والمسافة بينهما كبيرة والفئة المستهدفة هم الناس، المجتمع، الشعب، هؤلاء من نتحدث عنهم هؤلاء من سيضيعون بين أطراف مستفيدة من هذه المرحلة أو تلك وتتقاتل من أجل أن تجد لها موطئ قدم مع كل مرحلة!!