أمامنا نموذج لمعالجة واحد من القرارات الجديدة التي بشرت بها الحكومة المجتمع البحريني ليستعد لها ويربط الحزام من أجلها، وهو قرار إعادة توزيع الدعم الخاص باللحوم، وقريباً سيلحق بها قرارات أخرى مشابهة على البحريني أن يستعد لها.
بعد البدء بتنفيذ القرار الذي انفردت به الحكومة نرى أن معالجة المثال الأول والقرار الأول نموذج يتلخص في «تجاهل» ردات الفعل والقفز عليها، على أمل أن تخفت هذه الردات وتختفي ربما وتضمحل وحدها، وهذه سياسة ممكنة ومنطقية فالكثير من ردات الفعل على أي تغيير جديد تكون لحظية وفورية وسرعان ما تتأقلم المجتمعات مع هذه المتغيرات دون نتائج وتبعات لا تحمد عقباها، هذه الحسبة ممكنة في حالة واحدة فقط أن تكون مبنية على توقعات مدروسة أخذت في الاعتبار سلسلة القرارات القادمة وأخذت في الاعتبار المتغيرات التي طرأت على المزاج العام وأخذت في الاعتبار العديد من المؤثرات الأخرى التي تحرك الجموع وتحرك الأفراد.
المؤكد أن الحكومة انفردت بهذا القرار وتستطيع الحكومة أن تتذرع بأنها اضطرت إلى هذا الانفراد وترمي الكرة في أسباب ضعف هذا التواصل على الأطراف الأخرى وأن تبرئ ذاتها وتكتفي بذلك المخرج لكنها في النهاية ستجد أنها حملت نفسها مسؤولية تبعات هذا القرار -أياً كانت- وحدها لأنها انفردت به، وهي تبعات لا نعرف مداها إلى الآن فالطريق مازال في أوله، وهذا مربط الفرس هنا الذي أتمنى ألا يقاس عليه وحده قبل الانتقال إلى الخطوة الثانية.
فالتواصل مع السلطة التشريعية لم يفضِ إلى نتيجة مما سيترك الحكومة في مواجهة حالات التذمر وحدها دون شريك وذلك أول الأخطاء وكان ممكناً التخفيف من تبعات ذلك الخطأ لو أن الحكومة «ضبطت أمورها» مع بقية أطراف العلاقة لكنها أيضاً فشلت في التواصل مع بقية الأطراف كالقصابين على سبيل المثال أفراداً كانوا أم مسالخ وأصحاب الحظائر وغيرهم من وسطاء بين البائع والمستهلك، ثم مع بائعي اللحوم في الأسواق، واليوم هو الرابع وحالة التذمر في تصاعد في مواجهة الحكومة وقرارها.
تستطيع الحكومة أن تقنع نفسها بأن هؤلاء شريحة صغيرة وسرعان ما ستتأقلم مع الواقع الجديد وستبحث عن البدائل وتكتفي بهذا القدر من ردة الفعل وتمضي في طريقها، نرجو أن يكون السيناريو الذي تتوقعه الحكومة هو ما سيحدث، لكن لنتذكر أننا مازالنا مع واحدة فقط من السلع ووسطاؤها محدودون إنما ستتسع شريحة الوسطاء كلما تعددت السلع التي سيرفع عنها الدعم، فماذا أعدت الحكومة لمعالجة تذمر هذه الشريحة؟
أما عن الشريحة الأوسع وهي المستهلك أو المتلقي، فإن هناك مؤشراً جيداً على تجاوب هذا المجتمع مع القرار الحكومي بقياس أعداد الذين سجلوا لتلقي الدعم وقبلوا به كمبلغ تعويضي وقبلوا بآلية التسليم أي «مبلغ نقدي يودع في حسابهم»، إنما الأمر مازال في أوله وتجربة التعاطي مع تفاعل وتقبل الناس لهذه الآلية مازالت في أولها، فلا نقس درجة الرضا الآن.
ولا تضللنا الرسائل الإعلامية التي تحاول أن تبسط ردود الأفعال على ما تشتهي أذن صاحب القرار أن تسمع، وتنقل حالات التذمر على أنها مجرد اختلاف وجهتي نظر أو خلاف بين رأيين كما تحاول هذه الرسالة أن تقوم به الآن، فذلك أخطر ما يواجه صناعة القرار أن يضلل كي لا يعرف التقييم السليم لقراره.
إن القرارات التي ستقدم عليها البحرين مهمة جداً وتحتاج أن تتأنى بها وأن تهيئ لها الأرضية وأن تعرف بالضبط حجم الشريحة المتضررة وأن تتواصل معها بشكل مباشر لمحاولة التخفيف من حدة هذه الأضرار والتخفيف من الأضرار ممكن لكل شريحة على حدة، وكان لابد من حسابهم وتقدير حجم التعويض لهذه الشريحة ضمن آلية دعم القرار إنما تجاهلها سيكون ذا أثر خطير.
لهذا تحتاج الحكومة أن تستعد للمرحلة القادمة بمؤشرات قياس لردود الأفعال تكون واقعية حقيقية لا تلوي فيها الحقائق وتزين الأمور وتبسط وتستهين بردات الفعل وتخفي الحقائق وتدفنها تحت السجادة فقط حتى لا يتضايق صاحب القرار وينزعج ويحسبنا سلبيين.
ملاحظة خارج السياق الغذائي لكنها في ذات السياق للقرارات الجديدة، فبعض القرارات التقشفية الأخرى يجب أن نتأنى بها إذ إن ثمن تبعاتها عالي الكلفة وسنعود لندفعها من باب آخر، مثل تخفيض ساعات مناوبة الأطباء، هذا التخفيض ستقع كلفته على المرضى قبل أن تقع كلفته على الأطباء الذين نفرح باقتطاع مبالغ ساعات المناوبة منهم، لكنها تعني أن عدد المرضى الذين سيكشف عليهم هؤلاء الأطباء سيقل وسيدفع المرضى إلى التذمر فلا نفرح بخفض كلفة هنا لنفاجأ بارتفاعها في موقع آخر.
كل ما نتمناه أن نفتح حواراً مباشراً مع الجميع ونستمع إلى أفكارهم فقد نجد الكثير من الحلول والبدائل، بدلاً من هذا الانغلاق واتخاذ القرارات الانفرادية التي تعني تحمل المسؤولية منفرداً أيضاً.
ختاماً..
ألقاكم بعد أسبوع إن شاء الله في إجازة قصيرة ودمتم سالمين.