هل نريد بالفعل حل مشكلاتنا المالية؟!
هل فعلاً نود أن نقضي على الدين العام المهول الذي يرهق كاهل الدولة؟!
هل هدفنا إنهاء هذا الدين الذي يمنع الدولة من تحقيق كثير من مطالبات وطموحات الناس؟!
هل تقليل النفقات الذي نمضي فيه وتقنين المصروفات بالشكل الحالي سيؤتي ثماره؟!
أسئلة تحتاج إجابات صريحة وواضحة لا عواطف فيها ولا مجاملات ولا تبريرات، هذا إذا أدركنا حقيقة أنه لا يمكن حل أي مشكلة بالشعارات، ولا بالكلمات والتصريحات ولا بالتمني.
نحتاج أن نجيب على أنفسنا بصدق، أن نصارحها، إذ كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟! وما هي الأسباب؟! أيضاً من هم المسؤولون عنها؟!
لماذا نطرح كل هذه الأسئلة؟ ولماذا تبدو وكأنها مساع لجلد الذات؟ وكأننا نريد أن نقسو على النفس، أو ندور في فلك المشكلة، في حين كثيرون -للأسف- يسعون دوماً لتجاوز بحث المشكلة وتفنيدها ودراسة أسبابها والقفز لمرحلة اتخاذ قرارات للعلاج أو وضع الحلول، دون الإدراك بأن القفز على مراحل التشخيص أو تجاهل مرحلة محاسبة الذات والمعنيين، هي بحد ذاتها الكارثة التي تقودنا لتكرار نفس السيناريو.
أكرر السؤال، لماذا نطرح هذه الأسئلة؟!
فقط لأنني أفكر في سيناريو قائم على فكرة ماذا لو نجحنا في تسديد الدين العام البالغ سبعة مليارات دينار؟!
لو نجحنا في تسديده، هل هذه ستكون نهاية المشاكل التي نعاني منها؟! هل ستمثل بالفعل بداية صفحة جديدة؟!
كثيرون حينما نقدم مثل هذا الطرح ونفترض هذا السيناريو لا يرون أن هذا يمثل الحل، بل يرون أن تسديد الدين العام دون إجراءات أخرى تتبعه تدخل في السياسات وتغيير الأشخاص ورسم جديد للعمليات والاستراتيجيات، كلها ستحول العملية لأشبه ما يكون العلاج بالتخدير، علاج مؤقت لا يرتقي حتى لمسمى علاج، لأنه لن يحل المشكلة ويقضي عليها نهائياً.
هذه معادلة صحيحة لا جدال فيها، فإنهاء أي مشكلة لا يكون بتجميدها أو حلها جزئياً، بل بإنهائها تماماً، والإنهاء لا يكون إلا بالقضاء على الأسباب وإبعاد أي عوامل داخلية أو خارجية أو مؤثرات يمكن أن تعيد إحياء المشكلة وتكررها وتستنسخها.
لذا الخوف أنه لو سدد الدين العام، الخوف أن تتكرر نفس الممارسات، نفس السياسات، نفس الاستراتيجيات، نفس الشخوص، دون أي تغييرات جذرية، تغييرات كبيرة شاملة تضع في اعتبارها أسباب حصول المشكلة سابقاً، بالتالي تحرص على تجنبها مستقبلاً.
باختصار، وهذه زبدة الكلام، حتى لو سدد الدين العام، حتى لو حل كمشكلة، واستمرت نفس الممارسات والسياسات والعمليات والأشخاص، فإن عودة الدين العام وعودة المشكلة أمر وارد بل متوقع بقوة.
إنهاء المشكلة يفرض إنهاء وإلغاء واستبعاد كل ما له علاقة بها سابقاً، خاصة لو كانت هناك فرص للتصحيح منحت سابقاً مراراً وتكراراً، ولم تفض لحلول بل العكس.