يحلو للمسؤولين الإيرانيين، كباراً وصغاراً، وفي كل مناسبة أن يرددوا عبارة «إيران تتابع على الدوام نهج تعزيز علاقات الصداقة القائمة على حسن الجوار مع البلدان المجاورة لها والحوار حول الشؤون ذات العلاقة»، لكنهم عملياً ينقضون هذا الكلام وينسفونه، فهم باختصار لا يداومون على نهج تعزيز علاقات الصداقة ولا يراعون الجوار ولا يهمهم الحوار، وعلى هذا يتوفر ألف دليل ودليل، ليس أولها محاولات التدخل المفضوحة في الشؤون الداخلية لدول التعاون وعلى الخصوص مملكة البحرين، وليس آخرها رفض الحوار بشأن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة أو القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية لتفصل فيها، فبين هذين الدليلين تستريح بقية الدلائل وليس على من يريد معرفتها سوى أن ينظر حوله ليرى كيف أن هذه الجارة صارت ضارة، أو بالأحرى تبين أنها ضارة وتريد أن تهيمن على المنطقة وتنظر من عالٍ إلى كل من هم حولها.
كلما وجد المسؤولون الإيرانيون أنفسهم محاصرين في زاوية ولا يتوفر لديهم الرد الذي يقنع الآخرين أخرجوا تلك العبارة من غمدها، ونثروها يمنة ويسرة، معتقدين فيما يبدو أن سامعيها يعانون من الصمم أو قلة العقل، فلو كانوا يعتقدون عكس هذا، لما حاولوا أن يقنعوا الآخرين الذين يرون رأي العين كيف أنهم سيئون، بأنهم طيبون ومسالمون ويفكرون في راحة جيرانهم ورضاهم قبل أن يفكروا في مصالحهم. لهذا لم يتأخر ممثل إيران في الأمم المتحدة غلام علي خوشرو خلال أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يحاول الرد على التهم التي وجهتها البحرين لإيران عن ترديد العبارة نفسها وإضافة العبارة الأخرى التي يحلو للمسؤولين الإيرانيين كباراً وصغاراً أيضاً ترديدها كلما وفرت البحرين دليلاً على تدخل إيران في شؤونها الداخلية حيث يحلو لهم القول إن هذه الاتهامات «تأتي للتغطية على انتهاكات حقوق الأغلبية» و»أن أي محاولات لإلصاق تهم التدخل الأجنبي لن تساعد على إيجاد حل للمشكلة» .
اليوم صار العالم كله يعرف نوايا إيران ويراها وهي تعمل على زعزعة الاستقرار في دول مجلس التعاون، وكيف تتدخل في شؤونها الداخلية، ويرى كيف يقف إعلامها مع كل من يريد السوء لدول التعاون، وكيف تحاول إخافة جيرانها بنشر الأخبار عن تفوقها العسكري، وتمكنها من «النووي»، ويلاحظ كيف تنظر إلى جيرانها باستعلاء وكيف أنها لا تتردد عن الابتعاد عن قول الصدق، طالما أنه يوهمها أن موقفها صحيح وأنها يمكن بما تقول وتردد أن تقنع العالم بصحة ما تقول وما تفعل.
ما يراه العالم من أفعال إيران يجعل موقفها صعباً لأن العالم لا يمكن أن يصدق الروايات الكاذبة التي تهتم بترويجها، بينما يرى بأم عينيه كيف أن هذه الروايات بعيدة عن الواقع وتناقضه، فمن يقول إنه يراعي حق الجيرة وفي نفس الوقت يتدخل في شؤون الجيران لا يمكن لأحد أن يصدقه، ومن يقول إنه يحرص على الحوار مع جيرانه حول الشؤون ذات العلاقة وفي نفس الوقت يرفض مناقشة موضوع احتلاله لجزر، يتوفر الكثير من الأدلة على أنها تابعة لجيرانه ولا علاقة له بها، لا يمكن لأحد أن يصدقه، ومن يرفع الشعارات الرنانة ويمارس نقيضها لا يمكن لأحد أن يقول عنه كلاماً طيباً.
للأسف سيستمر المسؤولون الإيرانيون في محاولاتهم إقناع العالم بأنه يعاني من عمى الألوان وأن الحقيقة كلها تتوفر لدى إيران فقط وأنه ليس لدى الآخرين سوى نقيضها. من هذا المنطلق فإن من الطبيعي، بل من الطبيعي جداً أن يرفض غلام خوشرو كل الاتهامات التي توجه إلى بلاده ويعلن أمام الأمم المتحدة أن كل ما يرونه من أفعال شريرة تقوم به هي ليست كذلك.