منذ أن انطلقت الحملة الروسية في سوريا وقصفت مقاتلاتها مناطق المعارضة السورية بدعوى ضرب تنظيم الدولة «داعش»، وأعلنت عن مركز العمليات المشترك في بغداد مع إيران وسوريا والعراق، لم تصرح أمريكا بما تنوي فعله مع روسيا التي فاجأت الجميع بتقدمها خطوات وعقدت المشهد، لكن التاريخ كفيل بكشف ما ستفعله أمريكا مع روسيا.
للولايات المتحدة خبرة كبيرة في التعامل مع روسيا، كيف لا وقد خاضت مع الاتحاد السوفيتي الذي ورثته روسيا حرباً باردة انتهت بتفكيكه وسمحت لأمريكا أن تكون القطب الأوحد في العالم، وقراءة تاريخ هذه الحرب تبين لنا طريقة أمريكا في التعامل مع روسيا، خصوصاً وقد بدت الآن الظروف تكون مشابهة للظروف آنذاك، ففي عام 1979 كانت الحكومة الأفغانية صديقة وحليفة للاتحاد السوفيتي، وكانت هذه الحكومة تعاني من هجمات المعارضين للسوفيت الذين كانوا يحصلون على دعم الدول المناوئة للاتحاد السوفيتي ومن بينها أمريكا، وفي يوم 25 ديسمبر 1979 أدخل الاتحاد السوفيتي جيشه في أفغانستان لقتال المعارضين واندلعت معركة دامت 10 سنوات حتى سحب الاتحاد السوفيتي جيشه بالكامل في 2 فبراير 1989، واليوم يعاني نظام بشار الأسد في سوريا ما كان يعانيه النظام الأفغاني سنة 1979، وهو أيضاً صديق وحليف روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي، والمعارضون في سوريا يحصلون على تأييد أمريكا بالإضافة إلى المناوئين لروسيا أيضاً، وروسيا فعلت اليوم ما فعله سلفها عام 1979 فأدخلت جيشها في سوريا ودخلت الحرب رسمياً، ليعيدوا إلى أذهاننا مسلسل الأحداث في أفغانستان، فكيف تصرفت أمريكا هناك؟ لقد دعمت أمريكا المعارضين الأفغان بشكل مباشر وغير مباشر، لكن ذلك لم يحسم المعركة، حتى جاء دعمها الأبرز الذي حول الحرب الخاسرة إلى انتصارات للمجاهدين الأفغان عندما سمحت في عام 1986 بوصول صواريخ «ستينغر» الأمريكية المضادة للطائرات والتي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، فكانت سلاحاً محورياً في طرد الاتحاد السوفيتي اكتسب رمزية بين المجاهدين الأفغان.
لقد بدأت أمريكا مؤخراً بالتركيز على مصطلح «المعارضة المعتدلة»، والاعتدال والإرهاب مصطلحات انتقائية طيعة بيد أمريكا، وهي ليست أكثر من ملصقات تلصقها على من تشاء وترفعها عمن تشاء، ففي وقت مضى كان المجاهدون الأفغان في نظر الأمريكان «معارضة معتدلة» ثم أصبحوا «إرهابيين» بعدما طردوا الاتحاد السوفيتي، وسيتكرر هذا المشهد في سوريا وستصبح المعارضة «المعتدلة» مجاهدة، وقد يتطور الأمر وتسمح أمريكا وحلفاؤها بالتحاق المجاهدين بها من كل حدب وصوب، وبعد فترة تسمح لها بالحصول على نوع من الأسلحة المضاد للطائرات أو أي سلاح روسي له السيادة في هذه الحرب، لاسيما وأن أمريكا أعلنت أنها لا تنوي تسليم المعارضة أي سلاح يفتك بطائرات روسيا، وهذا يدل على أنها ستفعل عكس ما تقول.
لقد ورطت روسيا نفسها في سوريا كما ورط الاتحاد السوفيتي نفسه في أفغانستان، فأمريكا وحلفاؤها أقوى بكل المقاييس، وستجر روسيا أذيال الخيبة من المنطقة، لكن هل نحن على استعداد لخوض حرب فتاكة قد تطول عشر سنوات أو أكثر والأدهى من ذلك أنها ليست حربنا؟!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}