على الأغلب تحاول الدول المتقدمة أن تكون ثابتة في مستوى تقدمها الأمني والصحي والتعليمي، على ألا تكون غائبة عن الحضور في المحفل العالمي في ما يتعلق بالمشاركات تجاه السياسات الأخرى للدول، من حيث التفاعل الإيجابي أو الحضور بغية الإدراك التأسيسي لأي من الحراك، الذي من الممكن أن يسهم في تقدمها، وبث إصلاحات متكاملة متحضرة لمواطنيها، ولمكانتها النفعية على خريطة العالم، مازلنا متأثرين بما يصنعه الغرب في إشكال فهمه للعنصر الإنساني الوطني، ولايزال البعض يجد أن صورة هذه الدول تبدو فائقة الجمال أكثر من اللازم، وفي أعماقنا مازلنا نجد أن اليابان استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة قوية بعد خروجها من مأزق الحرب العالمية الثانية بخسارة فادحة إنسانياً واقتصادياً، لكنها بجسارة استطاعت أن تستفيد من الدرس جيداً، أن تغلق على نفسها جميع الاحتمالات التي يمكن أن تجرها مرة أخرى لحروب خاسرة وطاغية، لذا بدت اليابان الآن تشكل الصورة الزهرية للعالم في كل من مجالاتها، وبدا الكثيرون مأخوذين بتجربتها مع ألمانيا، عدا دولة وحيدة لا يمكن أن تستطيع أن تعيش أو حتى أن تتعايش مع بقية الدول المجاورة، إلا بجر خيباتها السياسية وحساسيتها النفسية الدينية تجاه الحروب الطاغية، والمشاركة في كل ما يتعلق بخذلان الإنسان العربي، جمهورية إيران الإسلامية تنشط منذ سنوات بعيدة في التقدم من أجل صناعة الذرة، على رغم عدم حاجتها إليها، فيما يقبع مواطنوها في سخط مرير، متجاهلة نداءاتهم المتكررة بأن على الحكومة أن تضعهم ضمن الجزء الأهم من إصلاحاتها التي يمكن لها أن تطور من كيانها كجمهورية فاقدة للأهلية، لا هم لها إلا مشاكسة جيرانها، بحجة الدفاع عن المواطنين من المذهب الشيعي.
لا يمكن أن تقدم إيران أي جديد في الوقت الحالي لشعبها المسكين، سوى الظلم الذي تغرقهم فيه، ومشاركتها في التدخل بسياسة الدول الأخرى مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين، وماذا بعد؟ كيف لدولة تستهلك كل موازنتها لمجرد الرغبة في المد الفارسي، لكي تعيد لنفسها تاريخها ومجدها القديم الذي ولى، على حساب شعبها أولاً وحساب صورتها أمام العالم، وهي لاتزال ترفل في تخبطها السياسي الذي لم تستطع حتى الآن إيجاد مخرج منه، كيف لشعب لا يستطيع أن يحاكم حكومته، ويطالبها بالابتعاد عن التدخلات السافرة لخريطة الوطن العربي، لتتركه وشأنه من دون عدائية واضحة وجاسرة، وأن تخضع لإصلاح ما يمكن إصلاحه في جمهوريتها، كيف لشعب لا يثور على ساسة إيران، وأفراده وهم كثر، يتحينون الفرص للهرب إلى الولايات المتحدة وكندا، وبدء حياة جديدة بعيداً عن هذا الغلب الطائفي، الذين لا يرغبون التصادم المخزي من خلاله، بل إن الكثيرين يمقتونه بشدة.
مازلت أتساءل حتى الآن عن رغبة إيران في اكتمال بنيتها النووية، فلماذا كل هذا الصرف المتدفق من الأموال، هل هي بحاجة إلى قنبلة نووية لكي ترعب الدول المجاورة أم ماذا؟ ثم ماذا تريد من مملكة البحرين؟ وحسناً ما قامت به الحكومة حينما قررت سحب السفير راشد سعد الدوسري سفيرها لدى إيران، وطرد القائم بالأعمال الإيراني من المملكة، واعتبرته شخصاً غير مرغوب فيه وعليه مغادرة الدولة، ويأتي ذلك كما نعلم جميعاً في ظل استمرار التدخل الإيراني في شؤون مملكة البحرين من دون رادع قانوني أو حد أخلاقي، ومحاولاتها الآثمة وممارساتها لأجل خلق فتنة طائفية، وفرض سطوتها وسيطرتها وهيمنتها على المنطقة بأسرها، من خلال أدوات ووسائل مذمومة لا تتوقف عند حدود التصريحات المسيئة من كبار مسؤوليها، بل تتعداه إلى دعم التخريب والإرهاب والتحريض على العنف عبر الحملات الإعلامية المضللة، ودعم الجماعات الإرهابية من خلال المساعدة في تهريب الأسلحة والمتفجرات، وتدريب عناصرها، وإيواء المجرمين الفارين من وجه العدالة، كما جاء في البيان الذي تم بثه لجميع وسائل الإعلام.
لم تكن إيران إلا دولة تتفنن في بث السموم الطائفية، وآخرها مهاجمة وطني المملكة، وكأنها بذلك قادرة على إرعابنا دولة وشعباً، أي هراء تعيشه إيران وهي تعيش تخبطاً وتمزقاً صارخاً في الأخلاق، مستخدمة في ذلك مد أسلحتها في كل من الدول المذكورة، حتى عاثت بهم فساداً، ألا يمكن لها أن تستفيد من تجربة اليابان وألمانيا، لربما تصنع لنفسها مكانة حقيقية بدلاً من الجدال وهتك قواعد التنظيم الدولية لبقية الدول؟
* نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية