التصريح الذي أدلى به الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران عند وصول مجموعة من جثامين الحجاج الإيرانيين الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لجواره في حادث التدافع في منى كان لافتاً ومبالغاً فيه وليس في محله، ذلك أن قوله «تعاملنا بأخوة بشأن حادث منى وإذا لزم الأمر نستخدم لغة الاقتدار»، تهديد صريح للسعودية مفاده أن عليها أن تستجيب لكل ما تريده إيران أو تتحمل ما سيأتيها منها لأنها ستستخدم «لغة الاقتدار» التي لا ترجمة لها سوى العصا والسلاح، وربما النووي!
لم يكن مناسباً التلويح بهذا من قبل الرئيس الإيراني خصوصاً وأن السعودية كانت متجاوبة معها ولاتزال، ومتعاونة إلى أقصى درجة كي يحصل كل متوفى في الحادث على كل حقوقه، وفي الدفن حيث يشاء ذووه، وإلا لما تم نقل أكثر من مائتي جثة إلى طهران في يوم واحد.
السعودية تعاونت مع الجميع كي تنتهي من هذا الملف ولتعطي كل ذي حق حقه، فهي أيضاً تتألم كما يتألمون وتترحم على كل من توفي في هذا الحادث الأليم، وتعتني بكل المصابين، وكان يهمها أن ينتهي موسم حج هذا العام على خير، خصوصاً بعد حادث سقوط الرافعة بالحرم المكي، والذي أودى بحياة أكثر من مائة حاج ولم يكن بالإمكان منعه فهو قضاء الله وقدره.
من الطبيعي في حادث كهذا الحادث البليغ والمؤلم والذي أودى بحياة المئات من الحجاج أن تحدث أخطاء وتتأخر أمور ويحصل ارتباك، خصوصاً وأن الجثث لا يمكن أن تبقى على حالها ويشوبها تغيير كثير يتطلب التعرف على أصحابها بدقة، وهذا كله يحتاج إلى وقت وإلى صبر وطول بال، ولا يحتمل استغلاله سياسياً، لأنه موضوع لا علاقة له بالسياسة، ولا يليق تحميله ما لا يطيق. وكما أن السعودية تعاونت مع الدول الأخرى فإنها تعاونت مع إيران بالطريقة نفسها، واهتمت بأن يتم إكرام الموتى بما يرضي الله سبحانه وتعالى أولاً، وبما يريح أهاليهم، فوفرت كل الخيارات التي يتحقق بها كل هذا، فمن اختار ذووه أن يدفن في مكة تم تسهيل أمورهم ومن اختار ذووه أن ينقل إلى موطنه استجابت المملكة لرغبتهم.
الواضح الآن هو أن إيران تريد تسييس الموضوع بأي طريقة، تريد أن تستفيد منه لتحقيق مآرب معينة، والمثير أنها تعتقد أنها اليوم هي القوة الأكبر في المنطقة وأنها تمتلك ما لا تمتلكه دول التعاون من أسلحة وأنها بناء عليه تستطيع أن تحكم المنطقة وأن دول الخليج العربي ستبدي كل الخوف بمجرد تلويح روحاني باستخدام «لغة الاقتدار» ضدها. لكن هذا ليس صحيحاً أبداً، فما تمتلكه دول التعاون من أسلحة وخبرات وعلاقات دولية يجعلها تشعر بشعور الذئب الذي لا يهمه إيران وما يصدر عنها من أصوات، ولا غير إيران.
مشكلة إيران أنها أقنعت نفسها بأنها بدخولها النادي النووي صارت الأقوى والأقدر على التحكم في المنطقة، وصار يكفيها أن تهدد حتى بالإشارة لتخاف كل دول المنطقة وتستسلم لما تريده منها، ومشكلتها الأكبر هي أنها تريد أن تقنع دول المنطقة بهذا الذي أقنعت نفسها به.
المؤسف أن إيران لن تفوق من هذا الوهم إلا متأخرة، وستصل حتماً إلى اللحظة التي تتيقن فيها أن التهديد باستخدام «لغة الاقتدار» لا ينفع مع السعودية ولا مع أي من دول مجلس التعاون، لكنها من الآن وحتى تفيق ستخسر الكثير الذي يصعب أن «تترقع» بعده، وكل هذا يؤكد من جديد عدم قدرتها على قراءة الساحة قراءة صحيحة.
تسييس حادث منى لن يعود بالنفع على إيران، وتهديداتها لا قيمة لها لأن واقع إيران يقول شيئاً مختلفاً تماماً.